لموسى وهبة، سحره كما لسميّه الأول. وللدخول في عالمه مسالك ثلاثة، إما أن تتدرج في صفوفه في الجامعة اللبنانية، وإما أن تزامله في مهنة التعليم وإما أن تشاركه الهم المعرفيّ.
وأنا انبهرت به لأني كنت ممن يعشقون قدرة الكائن البشري على صوغ جمل مفيدة ذات معان من عدد قليل من حروف الأبجدية. وموسى نظير برغسون كان «ساحر الكلمة» أيضاً، تلك التي تخاطب القلب وتلقى استحساناً لدى العقل.
بدأت أتهجى حروف اسمه من طلابه في فرنسا وجرسه أليف، قريب من المصري مراد وهبة. موسى اليساري الشاب القادم من بلدة الشيخ طابا في عكار، نزيل باريس وبيروت لاحقاً (شاء العود الأبدي أن يرتاح جسده في بلدته مجدداً)، مثل جيل كامل فعل فعلته (حسن قبيسي، فارس ساسين، وليد الخوري، ادوار القش، سهيل القش...)، ذهب الى فرنسا ونهل من معين الفكر الغربي واعتز بعروبته في آن وافتخر بها. وابتدع «القول الفلسفي بالعربية» اعترافاً بالإرث الكوني وبعالمية (يونيفرسالية، كما يحلو له التعبير) تتخطى الحدود القومية، لكن يُعبر عنها بألسن مختلفة.
كان موسى مقتصداً في التعبير (أي في الكتابة التي تؤشر إلى مشروع فكري ما) وصارماً في ما خص المفاهيم، وأدرج كلمة «أفهوم» فشاعت. واقتناعه العميق: «لا تفلسف من دون نص»، وأدرك حاجتنا الماسة إلى النصوص الأولى، مثابة أسس نبني عليها عمارتنا الفلسفية، فاتجه الى الترجمة (كانط، هيوم، هسرل)، وردد دائماً أننا كعرب لا نملك حتى الأعمال الكاملة للمعلم الثاني الفيلسوف الفارابي.
اجتهد موسى وهبة في وضع مصطلحات جديدة غير مألوفة، أثارت جدلاً، وهو بالمناسبة لم يكن ليستسيغ السجال كثيراً، بل العمل الجاد. لذا وضع في الطبعة الثانية من ترجمة «نقد العقل المحض» لكانط، شروحاً وتوضيحات في شأن المصطلحات التي اعتمدها. وقد آمن موسى بطلابه كما آمنوا به، فأصدر معهم مجلة «الفلسفة» (خريف 2003) في عدد يتيم، وساهم بأريحية في كل عمل حمل عنوان دعم الفلسفة، من اللقاء الفلسفي (ناصيف القزي، الهام منصور...) الى الاتحاد الفلسفي العربي والجمعية الفلسفية اللبنانية، الى المؤتمرات في لبنان والعالم، متأبطاً رسالته في أن يكون للعرب قول فلسفي بلغتهم.

* كاتب وباحث وأستاذ الفلسفة الوسيطيّة في الجامعة اللبنانيّة