أصدرت «الحركة الثقافية – انطلياس» بياناً في وداع موسى وهبة (الأخبار 4/7/2017) جاء فيه: عانى موسى مفارقة صون حياته الشخصية أنواء الحياة العامة التي لم تكن تشبه همومه التي هي طموحات مكتومة تجعل الهدوءَ اللغةَ الفضلى للرفض والتمرُّد والثورة.
إلاّ أنه لم يتنازل عن عناده بكون هذه اللغة، لغته العربية، التي هي ملكية مشتركة مع مَن «غطوا جمالَ سحنتها برتابة أقاويلهم»، هي أيضاً المآل الذي أمضى العمر في التزام هندسته وصنعه ليغدو لسان الثقافة الفلسفية العربية الحديثة. قال: «أكتب بلغةٍ أقدم منّي. أمسحُ عنها كل صباحٍ أثرَ العشاق المتقدّمين. استولدوها بدائع وطرائف، واستولدوها مسوخاً كذلك. فماذا أفعل بقليل القول؟».
يرشَحُ من هذا الافصاح قبسٌ من وصيّةٍ وجّهَها إلى المحتفلين بتكريمه في «الحركة الثقافية – انطلياس» في السابع من آذار 2013، عشية «طرقَ بابَه القدر». ومذذاك بدأت سيرةٌ له غيرُ مفصوح عنها، رواقيّة، لا يعرف أحدٌ كيف كان يكابدها ويجالدها. كان الأصدقاء والخلاّن يلجمون استفحالها عليه عن طريق شدِّه إلى حياةٍ عادية من اللقاءات والمناقشات والمداخلات وجمهور الطلاب، أي الحياة التي جعلَها دوماً معبَراً ومنطلقاً لابتداعاته المسائل التي لم يكن يتنبّه لأهمّيتها بالعمق غيره. «كيف يمكن قولُ الفلسفة بالعربي اليوم؟» واليوم؟ ما اليوم؟ مفارقةٌ مؤلمة عندما تكون اللغة هي الكاشفة لأسرار شقائها الموروث. هذا العاشق للحرية، ومباهجها الشخصية الحميمة، بات يدرك، مع ولهه الجديد بكانط ونيتشه بعد انسحابه من حلبة النضال الماركسي، حدودَ العقل وإمكاناته المعرفية، وحدودَ اللغة وإمكاناتها الابداعية، وانقلابَ «أهل العلم» على «زمّ العقل إلى مجرّد فاهمة، أو عقلٍ علمي»!
لقد كرّس جهداً كبيراً، في هذه المسيرة المعرفية الطويلة التي اختارها وكرَّس نفسه لها، لتحويل «المفهوم» الشائع إلى «أفهوم» يخاوي دلالاته الممكنة، بأسسٍ أعرف وأرسخ. من يذكُر تلك المساجلة التي دامت أشهراً على صفحات «النهار» بينه وبين المسرحي الصحافي عصام محفوظ؟ وأنه أسّس «نهار الكتب» مجلة للكتاب وتولَّى رئاسة تحريرها، وأسهم في إنشاء «اللقاء الفلسفي» في لبنان بمواجهة مَن يأخذون الوطن الى العنف المدمّر، ومجلّة «الفلسفة»، و«الهيئة العربية لحقوق الانسان»؟...
موسى وهبة، الأستاذ في الجامعة اللبنانية، والكاتب والفيلسوف الشاعر ومن غير قصائد معلنة، الذي حمل همَّ التفلسف العربي الحديث المبدع بلغتنا العربية، هو ومضةٌ بهية في سمائنا الثقافية، لن تُنسى.