ليست هذه المرّة الأولى التي تتم فيها مناقشة الإرهاب من خلال عمل فني. لعل أبرز الأعمال التي قاربت خبايا وخفايا التنظيمات والعناصر المتطرّفة كان «الحور العين» و«وما ملكت ايمانكم» لنجدة اسماعيل أنزور، وفيلم «ليلة البيبي دول» للمخرج عادل أديب.
لكنها حقاً المرّة الأولى التي تدخل فيها كاميرا الدراما إلى غرفة التحكّم بهؤلاء؛ وبيوتهم وعقولهم وفظائعهم ورجالهم ونسائهم وأطفالهم وقادتهم ومؤيديهم... ضمن مسلسل «غرابيب سود» (تأليف لين فارس، وإخراج حسام الرنتيسي وعادل أديب وحسين شوكت) الذي أثار الجدل منذ اللحظة الأولى لطرح الإعلان الترويجي الخاص به عبر شبكة mbc السعودية.
منذ الحلقة الأولى، يركّز المسلسل على عنصر المرأة داخل «داعش»، لكن في ظل الشخصيات الذكورية التي تدير التنظيم الإرهابي لكشف دوافع هؤلاء وأفكارهم، مع تفنيد لنقاط ضعفهم وقوتهم. لكن كل ذلك ضمن سياق درامي يفتقد
التشويق. منذ البداية، وقع العمل في الرتابة وبطء الأحداث، خصوصاً مع احتواء معظم المشاهد على مطوّلات حوارية فارغة، تنحو أحياناً نحو السطحية والبعد عن المنطق، تزامناً مع دوران موسيقى تصويرية منفّرة.
مع تداور ثلاثة مخرجين على إدارة المسلسل، أصيبت روحه بالتشتّت. هكذا، نجد مشاهد مميّزة يتألّق خلالها الممثلون، كما فعل الممثل السوري شادي الصفدي في معظم إطلالاته، وكما رأينا الممثل الكويتي محمود بو شهري في صورة جديدة بعيدة عن نمطية أدواره الرومانسية.
غير أنّ المصري سيّد رجب وقع في فخ المبالغة في رسم لغة جسد لشخصية المفتي، فجاء دوره بعيداً عن الواقعية المطلوبة. في المقابل، يبدو أنّ الممثل السوري أحمد الأحمد تأثّر بعض الشيء بتبادل الآراء مع ثلاثة مخرجين، فظهرت شخصيته «أبو طلحة أمير الخلية» بلا بصمة خاصة.

رتابة وبطء في الأحداث
ومطوّلات حوارية فارغة

حتى السّاعة ومع انتظار عرض الحلقة العشرين والأخيرة مساء اليوم، لا تسارع في الأحداث. تمشي الحلقات في سردها رويداً رويداً لتمرير مشاهد تعيد تصوير الكثير من فظائع «داعش» من دون تبرير ضمن السياق الدرامي. هكذا، غرق «غرابيب سود» في بحر الدماء المجانية، مع خوف ورعب خارجَيْن عن الضرورة القصصية. ربّما كان من الأجدر التركيز على خيوط درامية مثيرة، تاهت بين مشاهد خاوية عدّة، فيما حُشرت ربما في محاولة لزيادة عدد الحلقات حسب شروط العرض الرمضاني. مع العلم بأنّ القائمين على المسلسل أعلنوا قبل أيّام أنّ عدد الحلقات لن يزيد عن عشرين، موضحين أنّ القرار لم يكن وليد اللحظة، بل اتخذ عند الانتهاء من المونتاج، لأنّ المنتجين أيقنوا أنّ «الرسائل الإنسانية والسياسية التي يحملها المسلسل يمكن إيصالها في عدد معيّن من الحلقات من دون إطالة»!
والصحيح أنّ الموضوع شائك، وهو الأكثر صعوبة في زمن الأزمة، لكن هذا لا يعفي الكاتبة من تضمين المسلسل الأسس الأوّلية المطلوبة لبناء عمل درامي متكامل، أبرزها «الترفيه» ولو حمل في باطنه أسمى الرسائل الإجتماعية والإنسانية والسياسية. وعليه، يفتقد «غرابيب سود» إلى أي جاذب للمتابعة. تلعب اللغة الفصحى واختلاطها باللهجات المحلية من دول عربية عدّة دوراً إضافياً في تشتيت المشاهد، بينما يأتي الراوي لملء الفراغ، في مقابل غياب تام للمشاهد الفنية الإيحائية. يصدم الجمهور بالأسلوب المباشر، كأنّ كل حلقة من العمل ما هي إلا نص محاضرة جامعية سيطر عليها التكرار حتى أنّ بعض المقاطع وتحديداً تلك التي تصوّر التفجيرات، فقدت قوّتها وأهميّتها بفعل التنفيذ الذي بدا في بعض اللقطات بدائياً.
منذ بداية رمضان 2017، يتابع الجمهور العربي عملاً درامياً يناقش في خيوطه المتشابكة قصصاً من داخل الخطر الأسود، ليحاول تفكيك وتفنيد روايات «داعش» من خلال شخصيات مرسومة عن مشاهدات حقيقية لفظائع ارتكبها، ولطالما اجتهد في ترويجها عبر وسائل الإعلام المختلفة، وتحديداً الشبكة العنكبوتية .

«غرابيب سود» الحلقة الأخيرة: اليوم 23:00 بتوقيت بيروت على mbc و«mbc مصر» ـــ 00:30 على lbci وLDC، و00:00 على «المستقبل»