منذ الحلقة الأولى، تمكّن المسلسل المصري «30 يوم» (كتابة مصطفى جمال هاشم تحت إشراف أحمد شوقي، وإخراج حسام علي، وإنتاج «سيلميديا» و«تريلر» و«ماكس برودكشن») من خطف اهتمام المتابعين.
السبب الأساسي هو الفكرة التي تمزج بين الجِدّة والغموض والإثارة والبعد عن السائد في الأعمال الدرامية العربية. يقصد «توفيق المصري» (أو سامح ـ باسل خيّاط) عيادة طبيب نفسي شهير يُدعى «طارق حلمي» (آسر ياسين)، لا طلباً للعلاج بل ليخبره بأنّ الاختيار وقع على الطبيب لإخضاعه لتجربة نفسية غير مألوفة على مدى ثلاثين يوماً، من دون أن تكون له حرّية الاختيار.
على مدى شهر كامل، سيواجه «طارق» يومياً اختباراً مختلفاً يرتبط برقم اليوم الذي يحصل فيه، ولا ينحصر بالدكتور فقط بل يشمل في أحيان كثيرة مقرّبين منه. أما الهدف بحسب «توفيق»، فهو رصد التبدّلات التي ستطرأ على شخصية الطبيب وتصرّفاته وطريقة تفكيره مع مرور الوقت وزيادة الضغط النفسي الذي سيرزح تحته، ما قد تؤدي به غالباً إلى الإقدام على أفعال لم يكن يتصوّرها. وفي المشهد الأساسي في الحلقة الأولى حين يشرح «توفيق» لـ «طارق» طبيعة التجربة، يشدّد الأوّل على أنّ العنوان العريض لهذا الامتحان هو: «إزاي تقتل إنسان ويفضل عايش».
الفكرة والخطوط العريضة للقصة ليستا منبع النجاح الوحيد لهذا المسلسل. في ثالث بطولاته الدرامية بعد «البلطجي» (2012 ــ إخراج خالد الحجر) و«العهد» (2015 ــ إخراج خالد مرعي)، يؤدّي آسر ياسين دوره الصعب بتمكّن، في ظل قدرة كبيرة على إيصال التغيّرات الحاصلة في أحاسيسه وانفعالاته إلى المشاهد بسلاسة وتلقائية، ليكتشف الجمهور بالتالي تفاصيل جديدة وأسراراً غير متوقعة عنه، كما حدث مع بروز زواجه الثاني السرّي من الممثلة «صافي» (نجلاء بدر)، أو إدمانه على المخدّرات منذ فترة طويلة...
ولعلّ أهم النقاط التي تُحسب لـ «30 يوم» هي الشخصية السادية والمضطربة نفسياً التي يطل بها باسل خيّاط. مع «نيران صديقة» (إخراج خالد مرعي)، وضع الممثل السوري قدمه على طريق الدراما في المحروسة، لتكرّ السبحة مع «السيّدة الأولى» (2014 ــ إخراج محمد بكير) و«طريقي» (2015 ــ محمد شاكر خضير) و«الميزان» (2016 ــ إخراج أحمد خالد موسى)... لكن تجربته في السباق الرمضاني الحالي تشكّل علامة فارقة في مسيرته. هنا، نحن أمام باسل الممثّل «الحرّيف» الذي اشتغل على دوره المركّب والمعقّد بكل تفاصيله، بدءاً من أسلوب المشي وحركات الجسد والكلام وليس انتهاءً بطريقة مضغ اللبان والإحساس العالي أثناء عزف الجاز أو الاستماع إليه طوال الوقت.

استطاع آسر ياسين
إيصال الدور إلى المشاهد
بكل تبدّلاته النفسية


تألّق خيّاط في هذا العمل دفع النقاد والمتابعين إلى تشبيه الدور الذي يلعبه بشخصية الـ «جوكر»، خصوصاً تلك التي أدّاها الراحل هيث ليدجر في فيلم The Dark Knight. هذا التشبيه كان وليد المقارنة بين مشهد الحديث الذي دار بين «توفيق» و«طارق» في الحلقة الأولى، ومشهد استجواب الـ «جوكر» من قبل «الرجل الوطواط» في الشريط الهوليوودي العائد إلى عام 2008 لناحية الجمع بين الجدية والسخرية في آن، إضافة إلى إدارته للأحداث وترتيب الجرائم من دون ترك أي دليل ومن دون حد أدنى من الاكتراث، كأنّه من خارج هذا العالم. من دون أن ننسى الضحكة اللافتة التي تعتبر محاكاة لضحكة الـ «جوكر» المعروفة.
في المقابل، هناك من رأى أنّ خيّاط في بعض المشاهد كان أقرب إلى شخصية «جيمس موريارتي» (آندرو سكوت) في مسلسل الجريمة البريطاني «شيرلوك» الذي يؤدي بطولته بيندكت كامبرباتش، لنواحٍ عدّة أبرزها القدرة الهائلة على الاختفاء والظهور فجأة بطريقة غير منطقية، تماماً كما حدث عندما تأكّد «طارق» من موت «توفيق» بعد التعرّف إلى جثّته في المشرحة، ليعود ويكتشف أنّ الموضوع ليس إلا خدعة أدّاها الرجل ببراعة، منهياً أي احتمال لدخول السلطات الرسمية على الخط، كونه صار في عداد الموتى.
من الطبيعي أن يكون باسل قد استوحى من هاتين الشخصيتين وغيرهما من الأدوار المشابهة المعروفة في الأفلام الأميركية، غير أنّه استطاع أن يثبت أنّه لا يقلّدها، بل يستوحي منها لخلق «جوكر معرّب» خاص به.
رغم تميّز خيّاط وياسين التمثيلي، تجدر الإشادة بأداء إنجي المقدّم التي تجسّد دور «تغريد» زوجة «طارق» الأولى. أما نجلاء بدر التي يُحسب لها تخلّيها عن الماكياج في معظم المشاهد حتى الآن، فتُدخلنا في عالم الممثلة النجمة «صافي» المنهكة بسبب وضعها النفسي المتأزّم، إثر تسريب فيديو جنسي يجمعها بـ «طارق» وارتكابها جريمة قتل بحق المنتج الفني الواقع في حبّها «مجدي» (عماد رشاد)، قبل أن ينجح «توفيق» في مسح بصماتها... فضلاً عن مجموعة من الممثلين، من بينهم: وليد فوّاز، وسلوى محمد علي، وهند عبد الحليم، ونورهان...
تسارع الأحداث وغياب البطء والرتابة عنصران مهمّان جداً في نسب المشاهدة العالية التي يحصل عليها «30 يوم». فكل حلقة تحمل أحداثاً وطبخة جديدة، من الصعب التنبّؤ بها. وفيما يتوق الناس إلى خاتمة الحكاية التي يفترض أن تكون غير متوقعة، لا يزال سبب اختيار «طارق» لخوض هذه التجربة مجهولاً!

«30 يوم»: 00:00 على dmc و«dmc دراما»، وعبر موقع «شاهد.نت»