«يا نايم وحّد الدايم». جملة يعرفها جيّداً كلّ من مرّ في حيّه «مسحّراتي» لإيقاظ الصائمين لتناول طعام السحور في رمضان، مستعيناً بطبلته وصوته القوي. العبارة نفسها، هي اسم العرض الجديد الذي سيحتضنه «مترو المدينة» (الحمرا ــ بيروت)، بدءاً من 12 حزيران (يونيو) الحالي، على مدى ثلاث سهرات. العمل الذي أعدّه خالد صبيح وأخرجه هيثم شمص، سيذهب بنا إلى ليالي شهر الصوم في ثلاثينيات القرن الماضي في سوريا.
في مقهى «الجيل الصاعد» العريق في حارة زقاق البرغل الدمشقيّة، تغنّي «الست ألمظ» (شانتال بيطار) وصلات من الموشّحات والقدود والمواويل من الفولكلور الشامي، إضافة إلى بعض الأناشيد الدينية، برفقة «فرقة سوق الصاغة»، المؤلفة من: «الشيخ جميل بيك القصبجي» (فراس عنداري ــ عود)، و«أبو خليل الشوّا» (خليل البابا ــ كمان)، و«أبو عمر العقّاد» (عمر ملاعب ــ قانون)، و«عفيف العفيفي» (مازن ملاعب ــ رق).
سكّان الحارة، وضيوف من لبنان تربطهم علاقات تجارة وصداقة ومصاهرة وأحياناً منافسة، يجتمعون كل مساء في هذا المكان، قبل أن يتحوّلوا إلى جوقة غنائية ترافق صاحبة الصوت الجميل، على رأسهم: العامل في المقهى (عماد حشيشو)، و«المختار أبو أحمد» (هيثم شمص) الذي تختفي هيبته عندما يدير ظهره وتحل مكانها النكات، و«أبو الليل» (أحمد الخطيب) «القبضاي» الذي يحيلنا إلى شخصية «أبو عنتر» (ناجي جبر) الشهيرة (سنكتشف لاحقاً أنّ قرابة تجمع بين هاتين الشخصيتين)، فضلاً عن التاجر البيروتي «أبو سعيد» (خالد صبيح) الفخور بثروته ومكانته، والشاب «عارف» (سماح أبي المنى) الآتي من جبل لبنان إلى دمشق للدراسة، والمبهور بتفاصيل المدينة. الأجواء الجميلة والطرب جزء ممّا سيجمع هؤلاء، لأنّ حصّة الأحاديث المشتركة حاضرة أيضاً (بين الوصلات وقبل بدئها)، وإن كانت قليلة نسبياً مقارنة بالمساحة الممنوحة للجانب الموسيقي ــ الغنائي. «ستغلب العفوية على هذه الحوارات الشبيهة بتلك التي لا تزال تدور في المقاهي القديمة في الشام أو في طرابلس (شمال لبنان) أو في صيدا (جنوب لبنان)»، يقول صاحب الفكرة خالد صبيح في اتصال مع «الأخبار». ويضيف: «سيتطرّق الكلام إلى العلاقات السورية ــ اللبنانية التقليدية الأصيلة والمتجذّرة التي سبقت التحوّلات التي ولّدتها الحرب اللبنانية وما يجري أخيراً».
ينقسم «يا نايم وحّد الدايم» إلى أربع وصلات غنائية على مقامات العجم («أشرقت ليلتنا بالأنس» و«عالروزانا»...)، والسيكاه («جادك الغيث»، و«أيّها الساقي»، و«يا نحيف القوام»...)، والبياتي («والذي أسكر»، و«جلّ من قد صوّرك»، و«القراصية»...)، والراست («يا شادي الألحان»، و«يا طيرة»، و«يا مال الشام»...). غالبية هذه المختارات شاميّة المنشأ أو لُحّنت على المزاج الشامي ودخلت في الفولكلور المحلي. هذا ليس كل شيء، فهناك مساحة لوصلة إنشاد ديني مميّزة، تضم توشيح «مولاي كتبت رحمة الناس عليك» الذي أداه الشيخ المصري طه الفشني، وغيره.
أما الإخراج البصري، فمستوحى من المسلسلات والمسرحيات السورية التي أنتجت في السبعينيات، وصوّرت الحارات القديمة والمقاهي لتتسلل إلى الذاكرة الجماعية للسوريين واللبنانيين وتترسّخ فيها.
عمل مشابه إلى حدّ ما سبق أن جمع خالد صبيح وشانتال بيطار، هو «أحن شوقاً» الذي أبصر النور يوم كانت النيران مشتعلة في حلب. هذه المرّة، الطابع رمضاني بامتياز، لكن صبيح صاحب الفكرة أراد أن يخطو خطوة ــ ولو صغيرة ــ على درب المسرح الغنائي ضمن مشهد متكامل. في هذا السياق، يشدد صبيح على أنّ «كل المشاركين في «يا نايم وحّد الدايم» اشتغلوا معاً في السابق، وجميعهم مهووسون بالمسلسلات والمسرحيات السورية القديمة، على شاكلة «صح النوم» و«وادي المسك» و«مقالب غوّار»، كما أنّهم عاشقون لهذا النوع من الموسيقى». ما يستضيفه «مترو المدينة» يمكن وصفه بـ«تحيّة لبنانية متواضعة إلى كبار مثل نهاد قلعي، وناجي جبر، وياسين بقوش، ونجاح حفيظ، وعمر حجو، وخلدون المالح، ومحمد الماغوط، من دون أن تكون هذه الشخصيات ممثّلة بالضرورة بأدوار مشابهة في العرض».

«يا نايم وحّد الدايم»: 12 و20 و27 حزيران (يونيو) الحالي ــ الساعة التاسعة والنصف مساءً ــ «مترو المدينة» (الحمرا ــ بيروت). للاستعلام: 76/309363