لا نعلم لماذا تراكمت أوراق نعي الدراما السورية من جهةٍ، ونداءات الاستغاثة لإنقاذها من جهةٍ أخرى، بتوقيتٍ واحد؟ كأنها لم تدخل غرفة الإنعاش منذ فترةٍ طويلة. الاحتضار الذي تعيشه هذه الدراما أتى - عمليّاً- كمحصلة للحرب الشرسة على البلاد في كل ما يخصّ قيم الحداثة السورية.
ذلك أنّ معول الهدم طال كل مفاصل الثقافة بقصد الترويج لمنهج بدوي أو عشائري أو زبائني يعمل ببسالة، داخلياً وخارجياً، قبل وبعد الحرب.
هكذا فقدت الدراما السورية هويتها، منذ أن خضعت لدفتر شروط المحطات الخليجية بما هو ممنوع رقابياً، وكان على صنّاع هذه الدراما تنفيذ هذه الشروط بصرامة، إذ لا يجوز أن تعانق الأم ابنها الغائب، أو أن يبقى الأب وابنته في غرفة واحدة خشية الخلوة الشيطانية.

فقدت هويتها السورية،
منذ أن خضعت لدفتر شروط المحطات الخليجية
وكان على ممثل بارع مثل الراحل يوسف حنّا، أن يوافق على مضض على تغيير اسمه في شارة العمل إلى يوسف الخليل، وأن يدير شركات الإنتاج أميوّن، وأن يتحوّل سائق الميكروباص إلى مدير إنتاج يدخّن السيجار بدلاً من الحمراء الطويلة، وأن تتسرب فتيات الإعلان إلى الشاشة كنجمات، وأن يتهرّب النجوم من دفع الضرائب، وأن تستنفر خطوط الهواتف الساخنة بفرض هذه الممثلة أو تلك على أعمال القطاع العام، وأن يتسلل الهواة إلى الإخراج، وأن يسترخي المخرج وراء المونتور وهو يشفط دخان نارجيلته قبل أن يصرخ بكامل حنجرته «أكشن».
هذه البنية التحتية منخورة الأسنان، أفرزت دراما هجينة، بلا دفتر نفوس، تتلاعب بها الأجندات الوافدة، وفقاً لجهة الريح، لأنها في الأساس تفتقد رأس المال الوطني، أو أنها تتغذى على رأس مال غامض يدار بعقلية الدكنجي.
دراما عالقة في فخّ محكم تديره غرفة عمليات من خلف الحدود، وإذا بها أقرب إلى لاعب الخفّة، تتنقّل مثل بهلوان من البدوي، إلى التاريخي، إلى الفانتازيا، إلى البيئة الشامية، وإعادة إنتاج التخلّف، كأرضية أولى لما سيحدث لاحقاً فوق هذه الجغرافيا الملعونة، بتأكيد حصار خانق على الدراما المضادة، رغم ندرتها، ورفض تسويقها وعرضها لمصلحة بضاعة مسليّة بدمغة محلية مزوّرة، أو خلطة نجوم تتحرك فوق جغرافيا سائلة بلا تضاريس واضحة بوصفها حرباً موازية لا تقل تأثيراً عن أسباب الهلاك الأخرى. وفي المقابل، وقعت الدراما المحليّة الخالصة، في شباك السطحية والقفص الضيّق للأفكار، من دون تشريح لتحوّلات المجتمع السوري الجديد، وفحص القيم الوافدة مع طبقة طفيلية تهيمن على الواجهة اليوم. لكن ماذا يفعل هاملت في «باب الحارة»؟ سحقاً للابتذال.