في مناسبة مرور 60 عاماً على حضور المخرج اللبناني جورج نصر (1927 ـ الصورة) إلى «مهرجان كان» وتقديم فيلمه «إلى أين» بوصفه العمل اللبناني الأول الذي يشارك في المسابقة الرسمية في المهرجان، عُرضت مساء الخميس النسخة المرممة من الشريط في إطار فئة «كلاسيكيات كان» في «صالة بونويل» بحضور المخرج نفسه.
كما تجري العادة قبل عرض أفلام هذه الفئة، يتولى مدير المهرجان الفني تييري فريمو تقديم العمل وصاحبه. أشار فريمو إلى أن الفرق بين «إلى أين» والفيلمين اللذين سبق وعُرضا ضمن هذه الدورة من المهرجان، يكمن في وجود صاحبه شخصياً في الحدث. تقدّم نصر على المسرح وسط التصفيق، من دون أن يخفي تأثره الشديد الذي ارتسم على وجهه وأكّد عليه بنفسه. أحد المشاهد ما زال يُبكيه كلما رآه، هو مشهد صامت نرى فيه الأم حزينة جالسة مع ولديها، تضمّ أحدهما ويصعب عليها إنهاء طعامها بعدما باتت وحدها بدون زوجها الذي سافر بحثاً عن حياة أفضل. فريمو تحدّث عن وثائقي عُرض في المهرجان يتمحور حول تصوير «إلى أين»، قائلاً إنه يكشف جانباً من السينما العالمية واللبنانية، التي تضمّ الآن مؤلفين مشوّقين، ويتبيّن بفضل هذا الفيلم أنّ عمرها يتعدى العشرين عاماً وتعود إلى زمن أبعد بكثير. امتزجت لحظات التأثر بالملاحظات الفكاهية حول ذكريات نصر عن المهرجان قبل 60 عاماً، واستعانته ببعض الأصدقاء من أجل التصوير والتمثيل، وهم الذين شكّلوا فريق العمل. هذا المخرج وضع لبنان على خريطة العالم السينمائية بفضل «إلى أين»، الذي شاركت في ترميمه «أبوط برودكشن» و«مؤسسة سينما لبنان»، على أن يُعرض في لبنان لاحقاً.
الموعد مع نصر تجدد في اليوم التالي للعرض في جناح لبنان ضمن المهرجان. كانت جلسة حميمة مع بعض الصحافيين، عاد بها نصر بذكرياته إلى حقبة الخمسينيات وإلى رحلة الفيلم في «كان». تذكر ما قاله له الكاتب والسينمائي مارسيل بانيول الذي كان آنذاك عضواً في لجنة التحكيم: «موسيو نصر، لقد أنجزت فيلماً من عندي (De Chez Moi)». ومن المفاجئ أنه على الرغم من تسليطه الضوء للمرة الأولى على السينما في لبنان، فالفيلم لم يحظ بفرصة العرض في بلاده. واجه نصر الضغوط السياسية، ولم يتمكن من عرضه إلا لوقت قصير في مدينته طرابلس. وفقاً لنصر، كان الجمهور معتاداً على الأفلام المصرية وعلى الحركة الموجودة فيها، في حين أن «إلى أين» كان لبنانياً وداكناً، فلم ير نفسه فيه، حتى قيل لمخرجه «بهدلتنا!». عاد وقدّم «الغريب» لاحقاً باللغة الفرنسية، ولكنه لم يُعرض كذلك في لبنان، وكان يأمل من خلاله أن يكمل بأخذ السينما اللبنانية إلى العالمية.
جهود نصر في تطوير هذه الصناعة لم تُكافأ كما يجب. اتصالاته الكثيرة بوزراء ومسؤولين بغية تأمين صندوق للإنتاج اللبناني لم تلق الصدى الإيجابي. عدم إنجازه المزيد من الأفلام، يعود إلى اختلاف نظرته مع المنتجين اللبنانيين الذي فضلوا اتباع الميول المصرية والأفلام الفاقدة للهوية، في حين أراد نصر إخبار قصص من لبنان. إلا أن ذلك لم يمنعه من تصوير أكثر من 20 وثائقياً والكثير من الإعلانات أيضاً. عودة «إلى أين» بعد 60 عاماً إلى «كان»، وتحديداً في فئة «كلاسيكيات» التي تُعرض ضمنها إنتاجات عالمية بارزة من الماضي، اعتبره نصر أكثر ما يشعره بالفخر والشرف اليوم.