ينطوي مشهد جنازة نجاح حفيظ، كما التقطته عدسة هاتف محمول أمام «مستشفى ابن النفيس» في دمشق على حجم الاحتضار الذي آلت إليه القيم الفنية والمهنيّة. حفنة من زملاء الفنانة الراحلة وسيارتان، ثم ستوب كادر. في التوقيت نفسه، كانت قناة «سوريا دراما» تبث برنامجاً على الهواء عن «عيد الشهداء» بمشاركة دريد لحام. ستعلن مقدمة البرنامج عن خبر رحيل «فطوم حيص بيص»، لكن الخبر سيمرّ من دون تعليق إضافي، أو نبرة أسى، وسينتهي إلى شريط متحرّك في أسفل الشاشة لا أكثر. بمثل هذا الشحوب، أفل نجم هذه الممثلة التي لعبت أكثر الكركترات النسائية حضوراً في ذاكرة الدراما السورية، ذلك أنّ «فطوم» في مسلسل «صح النوم» للمخرج خلدون المالح (1974)، كانت شخصية متفرّدة، ابتكرها نهاد قلعي على غرار شخصية «حسني البورظان»، وشخصيات أخرى، سترافق أجيالاً من المشاهدين بالطزاجة نفسها، من دون أن تفقد الإعادات المتكررة لهذا المسلسل من ألقه وأصالته، لجهة التعبير عن أحوال الحارة الشعبية الدمشقية... الحارة التي ستحاول نسفها بقيمٍ مضادة مسلسلات مثل «باب الحارة» وأشباهه بتصدير طراز فولكلوري مزوّر، كأن «فطوم حيص بيص» ضحية نموذجية لهذا التحوّل.

صاحبة فندق «صح النوم» ذات السطوة والاستقلالية في إدارة فندقها، والعاشقة التي تفشل في اختيار شريكها، ستنتهي بعد سنوات ـ في أعمالٍ أخرى- إلى امرأة منكسرة، وأم محزونة، وهي بذلك ـ من دون مقاصد - تعبر عن احتضار شخصية فطوم لمصلحة نساء «باب الحارة» في إعادة إنتاج التخلّف، واندحار صورة امرأة عقد السبعينيات المتحرّرة، إلى درجة الاختفاء وراء جدران البيوت المغلقة في مطلع الألفية الثالثة كدمية صمّاء، تنشغل بتحضير أطباق الكبّة الشامية في المقام الأول، وإرضاء متطلبات الذكور بصمت. لذلك، لم يكن مستغرباً - كنوع من النبوءة ربما - أن تقبل فطوم الزواج من صبي الأوتيل ياسينو (ياسين بقوش)، بعد فشل زواجها من حسني البورظان. ورغم مشاركاتها في أفلام سينمائية مع الثنائي «دريد ونهاد» وآخرين، إلا أن أدوارها لم تحصد البريق نفسه الذي حققته في «صح النوم». لكنها من الجيل الذي ظهر في «المايوه»، قبل أن ينتهي إلى العباءة السوداء التي تحجب النظر عن الجسد، كمحصلة لتدهور النظرة الاجتماعية حيال قيم الحداثة والتحرّر. في أدوارها التلفزيونية، ستلعب على الدوام شخصية الأم الطيبة وبفائض حنان أمومي ميلودرامي، على الأرجح أتى كتعويض حياتي عن عدم إنجابها في الواقع. ونظراً إلى نمطية هذه الأدوار، لم تحقق تميزاً واضحاً، عدا أدوار قليلة، بينها دورها في «دمشق يا بسمة الحزن» (1992) للمخرج لطفي لطفي، عن رواية بالاسم نفسه لألفة الأدلبي. ابتعدت نجاح حفيظ في سنواتها الأخيرة عن الأضواء، بعدما أهملها أهل الدراما. اكتفت - قبل مرضها - بنزهات يومية في شوارع حي المزرعة الدمشقي بصحبة كلبها وحسب.