حبّ صوفي بطرس للسينما كان شيئاً طبيعياً منذ أن كانت صغيرة. بدأ بإدمان مشاهدة الأفلام مع شقيقتها في العطل. إلا أن التفكير في دخول المجال بشكل جدي، لم يكن وارداً عندما كانت لا تزال في المدرسة، إذ إن توجهّها كان أكثر نحو المواد العلمية التي برعت فيها. تبدّلت الأمور عندما سمعت عن تخصّص كان لا يزال جديداً في السمعي البصري. تتذكر بطرس تلك المرحلة في حديث مع «الأخبار»: «لم نكن نعرف الكثير عن هذا المجال الذي كنا نكتشفه.
لكني عرفت تلقائياً أنني سأقف لاحقاً خلف الكاميرا. بدأت العمل في الإخراج التلفزيوني ثم الأغاني المصورة حتى وصلت الى فيلم «محبس» (بطولة جوليا قصار، بيتي توتل، نادين خوري، علي الخليل، بسام كوسا، جابر جوخدار، سيرينا الشامي، نيكول كماتو، دانيال بلابان، سمير يوسف وسعيد سرحان).
استمرت عملية كتابة نص الفيلم أكثر من سنتين، إذ إن بطرس وشريكتها في الكتابة ومنتجتها ناديا عليوات، ليستا متفرّغتين للسينما بل تعملان وتدرّسان في «كلية محمد بن راشد للإعلام» في الجامعة الأميركية في دبي. تضيف بطرس: «أتقنا الكتابة، وكانت هناك مسودات عدة للنص الذي أعدنا كتابته مراراً من الصفر. في المقابل، التحضير للإنتاج والمونتاج استغرق 10 أشهر وهي مدة طبيعية. أما التصوير، فكان خلال 29 يوماً.

تيريز لم تتخلص
من الحداد على أخيها الذي قضى بقذيفة سورية
كانت تلك المرة الأولى التي أصوّر فيها فيلماً بعد انتقالي مباشرة من الأغاني المصورة إلى الفيلم الطويل من دون المرور بالأفلام القصيرة، وهذا كان أشبه بتحدّ. حرصت منذ البداية على أن أحمل هذا المشروع إلى الآخر، وألا يقع منّي في أي لحظة، سواء كان من ناحية إدارة الممثلين وفريق العمل أو اتخاذ القرارات في كل لحظة. همّي كان أن أحكم جيّداً طوال الوقت وألا أخطئ في قراراتي».
أحداث الفيلم تتركز كلّها في يوم واحد طويل. تيريز، زوجة رئيس بلدية إحدى القرى اللبنانية، تستعدّ لاستقبال حبيب ابنتها وعائلته لطلب يد الأخيرة. تصاب بالصدمة عندما تكتشف أن الصهر المستقبلي من الجنسية السورية، هي التي فقدت شقيقها قبل 20 عاماً بسبب قذيفة سورية. تتبدد الفرحة فجأة وتبدأ تيريز تنفيذ سلسلة مخططات لكي تحول دون هذه الخطوبة. من خلال قصة حب بين شابة لبنانية وشاب سوري، أرادت المخرجة أن تتحدث عن العلاقات بين اللبنانيين والسوريين عموماً. في نظرها: «هذه العلاقة مليئة بالشوائب. هي علاقة «حب- كره». هناك أمور جيدة فيها ولكنّ ثمة أيضاً أموراً سوداء كثيرة حاملة معها كل بشاعة الحرب وثقلها وما قبل الحرب. شعرنا أنّ هذا الموضوع يستحق أن نتحدث عنه وأن نطرحه لأنني أحب أن تكون هذه العلاقات أرقى من ذلك».
قد يكون الموضوع جدياً ومحزناً، إلا أن بطرس اختارت أن تتطرق إليه في قالب كوميدي: «فكرة أن نطرح هذا الموضوع بشكل كوميدي، كانت أساسية لأننا لا نتحدث هنا عن أي جهة. فأم الفتاة لا ترفض الشاب لأنه لم يعجبها. ثم إن قصة العلاقة السورية اللبنانية تحمل الكثير من الحساسية ولم نشأ أن نجرح أحداً. وفي الوقت عينه، رغبنا في إخبارها وإظهار حقيقة العنصرية والأفكار المسبقة بين المجتمعين. فالطابع الكوميدي كان الخيار الأفضل، كي نقول ما نريده من دون أن ندخل في المواعظ والتنظير على الناس». ترى بطرس من جهة أخرى أن اعتماد الخفة في الحوارات والمواقف، لا يعني تسطيح الموضوع. فـ «خفيف لا يعني سخيفاً»، مضيفةً: «الخفة هنا معناها أنّ كل الناس يتفاعلون معها ويضحكون. كل موقف يخفي في باطنه معنى آخر، ولم يكن هناك من تسخيف للأمر، بل تخفيف لوطأة الكلام الذي سيُحكى وقسوة الموضوع نفسه».
بطلة الفيلم امرأة خمسينية، تؤدي دورها جوليا قصار، لم تتخطّ الماضي الذي ما زال يطاردها ويملي عليها القرارات التي تتخذها. وبمعزل عن العلاقات السورية اللبنانية، كان هذا الموضوع الأساسي للفيلم. فتيريز الأم اللبنانية التي ما زالت تحيا في الماضي ولم تتخلص من الحداد على أخيها بقذيفة سورية، هي الشخصية الرئيسية التي تقود أحداث الفيلم. و«محبس»ــ على حدّ قول المخرجة ــ هو قصة تيريز ورحلتها في هذا النهار، وكيف ستقف أمام الحواجز وتحطّمها لتصل إلى ما هي بحاجة إليه. يرافقها عماد الشقيق المتوفى في كل خطواتها، وتخاطبه عبر صوره المنتشرة في المنزل، ويتفاعل هو معها. كل ما يقوله ينبع مما تفكر هي فيه، ومما يدور في رأسها. صمته في النهاية يشير الى أن تيريز تقبّلت فكرة موته، وأنه لا يجدي نفعاً التكلم مع الصور وأن عليها احترام رحيله.
أصرّت بطرس على إحاطة نفسها بمجموعة من الممثلين المحترفين، بعضهم أسماء كبيرة والآخرون أقل خبرة موضحة: «جوليا قصار كانت أول من اتصلنا به ووجدنا أنها تعطي حياة لدور تيريز. تحمَّست جداً لأن تكون جزءاً من المشروع. أما الممثلون الآخرون، فجميعهم محترفون وطبعاً هناك أسماء كبيرة. عشت مع الشخصيات لفترة طويلة عبر عملية الكتابة، وأصبحت أعرف تماماً كيف تتحدث وتفكر وتتنفس وتتحرك. أردت أن أجد الممثلين الذين سيعطونها الحياة كما أتخيّلها. كنت محظوظة في العمل مع ممثلين ذوي خبرة أطول منّي في مجال السينما والتمثيل، لكن لم أختر وجوهاً معروفة فقط. ركّزت على ممثلين محترفين يحبون مهنة التمثيل ولا يبحثون عن الشهرة. وبالفعل، نجح كلّ منهم في أن يجسد الشخصية كما تصورناها على الورق».

«محبس»: صالات «غراند سينما» (01/209109)، «أمبير» (1269)، «فوكس» (01/285582)