الرباط | بعد سنوات من الحياة الموزعة بين اليونان وسويسرا وبلجيكا وفرنسا، عاد الشاعر محمد مقصيدي (مواليد 1979) إلى المغرب، حاملاً فكرة ثقافية يتوخى عبرها دفع عربة النقاش الفكري والإبداعي بالبلاد نحو وجهات أخرى أكثر شساعة. التقى بصديقه عز الدين بوركَة المنشغل بقضايا النقد والتشكيل، وكانت قناعاتهما وأفكارهما منسجمة، ثم انطلقت الموجة في أولى خطواتها، وبمبادرة من الاثنين، بمشروع المجلة التي تحمل الاسم ذاته، وكان محور العدد الأول بعنوان «الإبداع في مواجهة داعش». تعاقبت الملفات عبر أعداد المجلة، وكانت تيماتها: الجسد والدين والفن، الثقافة والسلطة، الحب والموت، الفن والحرية، الإرهاب، المنفى، حرية المرأة...
تبدو المرجعية العلمانية واضحة في مشروع «الموجة»، بل إنها تشكل أحياناً الخطاب الفكري المباشر الذي يتوسله كتّابها، سواء في أعمدتهم ومقالاتهم على الموقع والمجلة، أو في حواراتهم مع الصحافة، أو عبر ما ينشرونه من تدوينات في صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل.

التحق بمقصيدي وبوركَة كتّاب وباحثون آخرون مثل محمد العياشي، وعبد اللطيف بن اموينة، ورشيد فجاوي، ومحمد شيكي، وناصر السوسي، وعبد الواحد مفتاح، ومن الخارج الناقدة الفرنسية الإيطالية كاميلا مريا سديرنا، وتعاون معهم كتّاب من جامعات فرنسية وإيطالية وكندية، فضلاً عن كتّاب المغرب والعالم العربي.
التفّ كثيرون حول التجربة وتحمّسوا لها، إذ رأوا فيها أفقاً جديداً يسعى إلى القطع مع كلاسيكيات الفعل الثقافي في البلاد، بينما رأى آخرون أنّ إمكانيات التجريب والتجديد ستكون محدودة، وبالتالي قد تكون «الموجة» اجتراراً لموجات سابقة. توالت المواضيع الفكرية والثقافية العديدة على الموقع، وكانت في الغالب تفتح بالفعل نقاشاً جديداً وجريئاً، وتعود من حين لآخر إلى إضاءة النقط المشرقة في التاريخ العربي والإسلامي، وانتقاد ما كان فيه من عتمة. عاب بعضهم على «الموجة» تقاطعها أحياناً مع مواضيع وأحداث تبدو دون مستوى تطلّعهم، وربما ما يبرر اهتمام الموقع في خلال فترة من الفترات بالظواهر الاجتماعية والسياسية العابرة رغبة القائمين عليه في استقطاب جميع الأطياف بغية تشكيل قاعدة عريضة لـ «الموجة».

تبدو المرجعية العلمانية
واضحة في المشروع

تحمس كثيرون للتجربة، وبدا لهم أنها تتقاطع مع نظرتهم إلى الثقافة والحياة العامة، فيما رأى آخرون فيها أقلاماً مأجورة تسعى إلى تخريب «الأمة» بأفكارها التي تدعو إلى الاختلاف وتنبذ أحادية الفكر.
في تصريح لـ «الأخبار» عن رهان التجربة وأهدافها، يقول محمد مقصيدي: «نحاول أن نرمي حجارة في المياه الراكدة، غامرين كل شيء بالأسئلة: اللغة، الأسلوب، الأسلاف، الأفكار، الخيالات، الأحلام... لسنا من أنصار القطيعة مع الماضي، ولسنا من دعاة العكس، نحن نسير في الموجة وكل ما نعرفه أننا غير راضين عمّا يحدث في هذا العالم، في مختلف المجالات». ويضيف: «كثيرون قالوا لنا إننا سنخسر، كانوا يستغربون أنني عدت من أوروبا لأستثمر في مشروع أدبي وفني في المغرب. كانوا يرونه ضرباً من الجنون، لكنني كنت أؤمن بما أقوم به، وما زلت. لقد مررنا بأوقات عصيبة، ويحدث أن نمرّ بها بين الفينة والأخرى، لكننا اليوم أحسن من البدايات بكثير. لقد تخلى عنا كثيرون في الطريق، شركاء ومبدعون أحياناً للأسف، بل لم يفهم بعض الشركاء أنفسهم طبيعة الموجة ونزلوا من المركب. لكننا سعداء جداً اليوم بتلك العقبات، لأنها جعلتنا نعيد التفكير ونبني الموجة بشكل أفضل».
أما عز الدين بوركَة، فيرى أن الشرط المدني منطلق أساسي لحركة «الموجة»: «المدنية هي الركيزة الأساسية التي نتكئ عليها لتعايشٍ آمن، حيث يتساوى الكل داخل نظام عادل ومسالم وديمقراطي. وما الديمقراطية بلا مدنية؟ إنها ديمقراطية معطوبة». ويضيف: «لا ندعي حكمة ما أو قوة خارقة، لسنا «سوبرمان». نحن ذوو رؤية متحمسة لبناء غد ندعو إليه كل القوى الخلاقة المؤمنة بمدنية الدولة، والباحثة عن سبيل لإصلاح الحداثة والمستقبل المعطوبين. نبسط أيادينا كل البسط إلى كل من يريد أن يضع يده في يدنا غاية في البناء لا الهدم من أجل الهدم».

http://elmawja.com