خلافاً للتوقعات، لم تكتسح ميوزيكال La la Land حفل الأوسكار في دورته الـ 89. لكن هذا الفيلم سيبقى في الذاكرة الهوليوودية، لأسباب عدة.
هو الفيلم الذي حظي بعدد قياسي وغير مسبوق من الترشيحات في تاريخ الأكاديمية الهوليودية (نافس على 14 جائزة)، ومخرجه داميان شازيل (32 سنة) أصغر سينمائي ينال أوسكار أفضل إخراج. لكن الفيلم يبقى أيضاً ماثلاً في الأذهان بوصفه أول عمل سينمائي مُنح الأوسكار الأبرز (أفضل فيلم) عن طريق الخطأ، بل أن يُسحب منه بعد لحظات، لحساب رائعة باري جينكنز Moonlight، التي شكّلت المفاجأة (السارة) الأبرز في هذه الدورة من الأوسكار (راجع الكادر أدناه).
صحيح أنّ La la Land تصدر عددياً بست جوائز: أفضل مخرج، أفضل ممثلة (إيما ستون)، أفضل تصوير (لينيوس سانغرين)، أفضل ديكور (ساندي رينولدز)، أفضل موسيقى (جاستن هورويتز)، وأفضل أغنية (City of stars لجاستن هورويتز ، بينج باسيك وجاستن بول). لكن أربع من بين الجوائز الخمس الأهم أفلتت منه. فقد مُنحت جائزتا أفضل سيناريو أصلي وأفضل ممثل الى Manchester by the sea للمخرج كينيث لونرغان (حاز كيسي افليك جائزة افضل ممثل)، بينما عاد أوسكار أفضل مونتاج الى فيلم Hacksaw Ridge لميل غيبسون (نال أيضاً أوسكار أفضل مونتاج صوتي). والى جانب أوسكار أفضل فيلم، فتك Moonlight، جائزتي أفضل ممثل في دور ثانوي (ماهرشالا علي)، وأفضل سيناريو مقتبس (باري جينكنز/ عن مسرحية لتارين ألفين ماك كراني بعنوان «في ضوء القمر يبدو الأطفال السود زُرقاً»).

اغتنم أورلاندو فون إنزدل
فرصة فوزه للاستشهاد بآية
قرآنية تمجّد التسامح


الخطأ غير المعهود، الذي تسبب في منح La la Land أوسكار أفضل فيلم، ثم سحبها منه، لم يكن مقصوداً بالتأكيد. لكن إعادة الجائزة الى Moonlight قوبلت بكثير من الترحيب، وتُرجم ذلك بموجات عارمة من التصفيق. فقد كان مخيباً أن تُختتم هذه الدورة من الأوسكار بتتويج فيلم بمثل خفة هذه الكوميديا الموسيقية، في حين عكس الاحتفال في أغلب فقراته وخياراته نبرةً نضاليةً ترجمت رغبة هوليوود برفع التحدي في وجه الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب.
هذه النزعة المعادية لترامب برزت منذ الكلمة الافتتاحية التي رحب فيها مقدّم الحفل، جيمي كيميل، بالنجوم الحاضرين، قائلاً: «كم أنتم محظوظون! فأنتم رائعون وموهوبون وتم ترشيحكم للجوائز الأفضل. وحين تفوزون ستلقون كلماتكم أمام ملايين المشاهدين، ثم سيحظى كل واحد منكم بردّ من قبل رئيس الولايات المتحدة على تويتر»!. ثم عاد كيميل وسدّد سهامه اللاذعة الى ترامب، حين خاطب النجمة ميريل ستريب، قائلاً: «أريد أن أشيد بروح المثابرة التي تتسمين بها، فقد تم ترشيحك للأوسكار 16 مرة، ولم تفوزي سوى أربع مرات. وهذا خير دليل على الرداءة وقلة الموهبة التي تلازمك منذ بداياتك» (إشارة ساخرة الى عبارة استعملها ترامب على تويتر رداً على انتقاد ميريل ستريب له خلال احتفال الـ «غولدن غلوب»)! وعند منتصف الاحتفال، سخر كيميل مجدداً من الرئيس الأميركي، قائلاً: «لقد مرت ساعتان ولم يصدر عن ترامب أي تغريدة»! وأتبع ذلك بتغريدة توجه بها الى الرئيس الأميركي، قائلاً: «ترامب، أما زلتَ صاحياً؟».
على صعيد الجوائز، تُرجمت هذه النزعة المعادية لترامب في خيارات عدة. بدأت بموجات التصفيق التي قوبل بها منح أول أوسكار لممثل مسلم في تاريخ هوليوود (ماهرشالا علي عن دوره في Moonlight). ثم اكتمل التحدي بتتويج المعلم الإيراني، أصغر فرهدي، بأوسكار أفضل فيلم أجنبي عن رائعته «البائع» (سبق أن نال عنها جائزتي أفضل سيناريو وأفضل ممثل في «مهرجان كان» الأخير). وكان فرهدي قد أعلن، غداة سن قانون Muslim Ban، الذي حظرت إدارة ترامب بموجبه دخول الولايات المتحدة على مواطني سبع دول إسلامية، أنّه لن يحضر احتفال الأوسكار. وقد قرأت موزعة الفيلم في الولايات المتحدة، التي تسلمت الجائزة نيابة عن المخرج، رسالة شكر فيها فرهدي الحضور، قائلاً إنّه يستسمحكم في الامتناع عن الحضور، «احتراماً لمشاعر شعوب الدول التي مُنع مواطنوها من دخول الولايات المتحدة، لأنهم مسلمون».
على صعيد الأفلام التوثيقية، اغتنم البريطاني، ذو الأصل السويدي أورلاندو فون إنزدل فوزه بأوسكار أفضل فيلم توثيقي قصير، عن شريطه «الخوذات البيض» للاستشهاد بآية قرآنية قال إنّها تمجّد قيم التسامح: «مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً، وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً». ولم يفوّت مقدّم الاحتفال، جيمي كيميل، فرصة تتويج مخرج من أصل سويدي للقدح مجدداً في ترامب. هكذا، توجّه بالكلام الى أورلاندو فون إنزدل، قائلاً: «آسفون لما حدث الأسبوع الماضي في السويد، نأمل أن كل أصدقائكم هناك بخير» (في إشارة ساخرة إلى المأزق الدبلوماسي الذي وقع فيه ترامب مؤخراً، حين تحدث خطأ، خلال خطاب ألقاه في شيكاغو، عن وقوع هجوم إرهابي في السويد)!