لم يسبق للممثل اللبناني بديع أبو شقرا (45 عاماً) أن كثّف حضوره وإنتاجه كما يفعل في هذه الفترة. «شاغل الدنيا ومالء الناس» ليس هناك أفضل من هذه العبارة لوصف حال أبو شقرا اليوم: من السينما الى المسرح، والأعمال الدرامية، والبرامج التلفزيونية، وحتى الشعر. إنتاج منّوع مقرون بالنجاح، وبالانتشار أكثر من أي وقت مضى.
رغم هذا الحضور القوي والفاعل في الميادين الفنية كافة، إلا أنه يكشف في حديث مع «الأخبار»، أنّه يستعد لمرحلة جديدة يطبخها على نار حامية، تتمثل في خوضه معتركاً آخر، لم يوضح تفاصيله. ويبدو أنه ينوي دخول عالم الإنتاج الخاص، بغية فتح مجال أوسع للتعبير عن القضايا التي تمسّه بشكل خاص. نجم «لمحة حب» يسعى للخروج من شرنقة التعبير عن قضايا الغير أو حتى التمثيل لمجرد التمثيل، الى عالم أرحب، يكون فيه صاحب القرار الأول والأخير.
بديع أبو شقرا، الذي عرف مع كوكبة من نجوم التمثيل في التسعينيات، بقي صامداً حتى اليوم مع قلة قليلة منهم. الأسباب هنا كثيرة تراوح بين نأي قصدي، وآخر قسري لهؤلاء. بقي اسمه لامعاً، بعد عودته من بلاد الاغتراب كندا، ليستقر حالياً في لبنان مع عائلته. يجد أنّ هناك نقصاً في المادة المطروحة في الدراما اللبنانية، كصناعة تلفزيونية، مثل توزيع الأدوار، لا سيما بين الجيلين الحالي والسابق، وربما تكمن المشكلة الأكبر في casting (اختبار الممثلين/ ات)، الذي يؤثر سوء الاختيار فيه على العمل الدرامي ككل.

الرجل الشرقي يعيد استخدام «سلطته» التي منحت له تاريخياً، ودينياً عند أي مشكلة تصادفه

لم يخف الممثل اللبناني يوماً آراءه السياسية، لا سيما في فترات الذروة. كلنا يذكر «الحراك المدني» صيف 2015، وكيف استخدم أبو شقرا منصاته الافتراضية، حتى ؟أنّه شارك ميدانياً في هذه الحركة الاحتجاجية على خلفية أزمة النفايات. وأخيراً، كثّف حضوره على هذه الوسائل الإلكترونية، للتسويق لمشاركاته الدرامية والمسرحية وأيضاً التلفزيونية. عن هذا الحضور اللافت إلكترونياً، يخبرنا بأنّ هذه المنصات توزعت في الغالب بين شطرين: أحدهما مدّمر يشهد تعبئة وحشداً لصراعات بين الأفراد، و«مناكفات سلبية». وهناك الشق الإيجابي الذي خاضه أبو شقرا، ويصفه بـ «خلق حالة تعبيرية» موجودة عند العديد من الناس، استطاعت أن توصل آراءهم السياسية وحتى العاطفية الى شرائح أوسع. استعان نجم «يلا عقبالكن شباب» بصفحاته الافتراضية للتسويق لأعماله، وأيضاً فسحاً في المجال لنشر القصائد والخواطر التي تلقى رواجاً وتفاعلاً عالياً، كاشفاً لنا عن إمكانية نشر ديوانه الرابع على السوشال ميديا، وتحديداً على صفحته الفايسبوكية ليتسنى للجميع قراءته، في مواكبة للعصر الرقمي.
في كانون الثاني (يناير) الماضي، رفع بديع أبو شقرا كأس برنامج «الرقص مع النجوم» (إنتاج جنان ملاط - إخراج باسم كريستو)، على mtv. حصد الفوز بعد منافسة شرسة مع بقية النجوم. لم تكن هذه المشاركة عابرة، بل فرصة لأبو شقرا كي يثبت براعته في تحدي الذات تطويعاً لجسده، وأيضاً تجسيداً للحالة المطلوبة منه مسرحياً مع كل رقصة. في لحظة الفوز، لم ينس أيضاً استغلال هذا المنبر لتوجيه تحية الى المنتجة جنان ملاط كونها امرأة صنعت كل هذه المشهدية المحترفة، وعبرها الى كل النساء لينخرطن أكثر في العمل، ويثبتن أنفسهن. وطبعاً، لم يغب عن باله المطالبة بإقرار قانون أحوال شخصي موّحد لكل اللبنانيين، هو الذي يردد دوماً أنّ الحل الأمثل للمعضلة اللبنانية تكمن في إقامة نظام مدني علماني، يمارس فيه كل مواطن طقوسه بحرية. لكن هذا الأمر يبدو بعيد المنال، بما أنّ السلطات السياسية والاقتصادية والدينية أيضاً ــ كما يقول ـــ قابضة، وتتأثر بمتغيرات الإقليم، إضافة الى الشعب الذي لم ير بعد هذه الفرصة للتغيير.
إذاً، لم يوفر الفنان اللبناني هذه المساحة لإيصال قضية إنسانية عالية. يؤكد في هذا المجال أننا «كفنانين جميعاً لدينا مسؤولية»، في إيصال الأفكار، ولو لم تلق تأييد الجميع، فـــ «هيدا انا في النهاية». قضية المرأة وحقوقها، ليست مستجدة على عالم أبو شقرا. فقد شارك في العديد من الإعلانات والحملات التوعوية التي أطلقتها جمعيات نسائية عدة. هو يعتبر أننا ما زلنا نعيش في بلد تحكمه قوانين بالية، وهناك أناس ينتفعون منها. ويلفت الى أنّه رغم تحرره، إلا أنّ الرجل الشرقي يعيد استخدام «سلطته» التي منحت له تاريخياً، ودينياً عند أي مشكلة تصادفه، لينقلب على هذا الخط الانفتاحي أمام شريكته.
العام الماضي، دخل أبو شقرا السباق الدرامي الرمضاني، واستطاع مع الممثلة والكاتبة كارين رزق الله، حصد أعلى نسبة مشاهدة على شاشة lbci، في مسلسل «مش أنا». هذا العام أيضاً، يكرر التجربة على شاشة mtv هذه المرة، عبر مسلسل «لآخر نفس» (كتابة وبطولة رزق الله أيضاً). لا يخاف أن تتكرس هذه الثنائية التي نجحت تلفزيونياً بصورة نمطية، بل يذهب بهذا العمل إلى ما هو أبعد، من تحوّل الكتابة لدى رزق الله الى عمل بحثي ميداني، فكري، في محاولة «لتقريب الدراما من الواقع»، وطرح التساؤلات عبرها. ويتوقع بعد عرضه في رمضان القادم، أن يثير نقاشات عدة. العمل يدور في الإطار العاطفي بما أنّ «التلفزيون يحب تحريك العواطف لدى الناس» كما يضيف، ويشكل وسيلة لإيصال الفكرة بسلاسة. وهنا، يأتي ذكاء الكاتب، ليشحن العمل بالكثير من القضايا الجادة.
يشارك بديع أبو شقرا أيضاً في مسرحية «كلكن سوا» للمؤلف والمخرج كميل سلامة في أول تعاون معه، على مسرح «دوار الشمس». يختبر للمرة الأولى أيضاً، تجربة المسرح الواقعي، مع رودريغ سليمان، وباتريسيا نمّور، في سرد لمآس إنسانية بمقاربات عميقة. العمل يلقى إقبالاً لافتاً أدى إلى تمديد عروضه حتى 5 آذار (مارس) المقبل.