استطاع جو قديح أن يكرّس اسمه داخل نسيج المسرح اللبناني. بعد مسرحياتٍ مهمّةٍ وناجحة مثل «الشر الأوسط» (The Middle Beast) و«غرام أو انتقام» (نقلاً عن نصّ «علاقات خطرة»)، يعود قديح هذه المرّة في قصةٍ درامية نفسية بوليسية: «بتقتل» أقرب إلى النمط المعتاد الذي أراد المخرج والكاتب اللبناني أن يسير عليه بعد نجاح «غرام أو انتقام». تدور القصة حول زوجين حيث يفقد فريد ذاكرته، فيقرر استعادة هويته وشخصيته وماضيه وحاضره من خلال أسئلة يطرحها على ليلى. «هذا النوع من المسرح مبني على أداء الممثل. ورغم كل نمطيته، فإن فيه نوعاً من الكوميديا الخفيفة، هي كوميديا بوليسية سوداء، وهناك لعبة نفسية مشحونة بكثيرٍ من الثقل المخفف عبر اللغة التي كتب بها النص»، يقول قديح لنا، قبل أن يضيف إنّ «الحبكة الأصلية في المسرحية من كتابة البلجيكي اريك ايمانويل شميت (petits crimes conjugaux)، لكننا غيّرنا كثيراً في النص وطبيعته.

لذلك لا يمكن القول بأنّ هذه المسرحية هي نفسها تماماً تلك التي كتبها شميت، فمسرحية شميت عصرية، فيما أنا جعلتها تعود إلى الستينيات. لذا، كنت أمام تحدٍ مهم هو كيفية صياغة ديكور، وثياب وأجواء ومناخ وموسيقى تلك المرحلة. من جهةٍ أخرى عدّلت في العمل كثيراً كي يشبه بطلي المسرحية برناديت حديب وطلال الجردي». هنا يحضر السؤال: هل عدّل المخرج/ الكاتب مسرحيته خصيصاً لبطليه، خصوصاً أننا نعلم أنَّ حديب كانت قد شاركت في مسرحية قديح السابقة «غرام أو انتقام» وتميّزت معه؟ يجيبنا قديح: «خلال العمل السابق، طلبت مني برناديت أن أكتب لها مناظرة تجريها مع ممثل آخر على المسرح، واقترحت عليّ طلال الجردي، وكان الاختيار موفقاً، فهناك كيمياء جيدة بيننا نحن الثلاثة، وهذا مهم لنجاح العمل». في الإطار عينه، تحدّثنا حديب عن العمل والمخرج: «جو يعطي ممثله فرصة، كما أنّه يثق بممثله إلى درجة كبيرة. وحين يختاره، يعطيه اهتمامه البالغ». وماذا عن اختيارها لشريك البطولة معها في المسرحية؟ تجيب: «المسرح بالنسبة إليّ كطاولة البينغ بونغ، بالمقدار الذي تعطي الممثل أمامك، فهو يعطيك. هذه المسرحية قائمة على التبادل بين البطلين، كما أنّ هناك لعبة تبادلية لذيذة في العمل. لذلك فإنني وطلال الجردي نتشارك المستوى نفسه، ولو أنه لم يكن كذلك، لما اخترته لمشاركتي في هذه المسرحية». أما عن «المفاجأة» التي تفجّرها، فتقول: «لا تصدق كم أنا خائفة من هذا العمل، فالشخصية لا تشبهني، والمقاربة لا تصلح ولا تجوز بين شخصيتي الحقيقية وشخصية البطلة في المسرحية، ولم أقدر أن أقرّب الشخصية من حقيقتي. هنا تأتي اللعبة في أن أؤدي هذا الدور وأقنع الجمهور بهذه الشخصية».
بدوره، يشارك طلال الجردي في المسرحية بعدما انتهى منذ فترة قصيرة من تقديم مسرحية «فرضاً إنو» مع غابريال يمين، فهل أنهكه ذلك؟ «نعم هذا الأمر غير صحّي أي الانتقال بين عملين مسرحيين، ولو كانا مختلفين، لكن ما خدمني كثيراً ببساطة هو حصولي على رحلة نقاهة قصيرة، جعلتني أستعيد نشاطي، وبالتالي أنتقل إلى هذه المسرحية». الجردي كان قد عمل سابقاً مع حديب في الفيلم المتميز «لما حكيت مريم» (إخراج أسد فولادكار) وحققا آنذاك نجاحاً كبيراً، لكنها المرّة الأولى التي يعمل فيها مع قديح، فيشير إلى أنَّ العمل معه يتيح الفرصة لكثير من التنوع في تناول الدور، وكذلك التجريب، وهي أمور «تسهّل عمل الممثل وتعطيه فرصة أكبر للإبداع، فلعبة المسرحية هذه تصلح لأن تؤدى بطرق مختلفة. البطلان يلعبان مع بعضهما، وللحقيقة أنا لم ألعب شخصيةً شبيهة بهذه الشخصية من قبل، فهما يعريان بعضهما بشكلٍ مختلف، يسلخان بعضهما البعض».
يشارك في صناعة العمل من خلف الكواليس شخصان رئيسيان: ماري كريستين طيّاح، الجندي المجهول في أعمال قديح (عملت معه في ثلاثة أعمال سابقة) التي ترجمت النص وساعدت في الإخراج. علماً أنّها كانت قد شاركت في مسرحيته السابقة بدور صغير، لكنها ـ كالعادة- كانت خلف الكواليس بدور فعال ورئيس. الجزء الثاني من الفريق هو إحدى نجمات العمل السابق صولانج تراك مديرة الإنتاج في العمل الحالي. لكن كيف ينجح الأمر مع قديح الذي يصف نفسه بدقة بأنه قلق ودقيق؟ يجيب: «أنا بطبعي قلق ودقيق، بمعنى أنني أريد أن أتأكد من جميع التفاصيل، وأريد أن أتابع وأنتبه لجميع تفاصيل العمل. لذلك في المعتاد أعمل وحيداً، لكن صولانج وماري كريستين تشعرانني بأنني داخل عائلة، لذلك أشعر براحةٍ في العمل معهما».
عبدالرحمن...

* «بتقتل»: حتى أول آذار (مارس) ـــ أيام الخميس، الجمعة والسبت والأحد ــ «مسرح الجميّزة» ـــ للاستعلام: 76/409109