نبّهت ندوة «السينما اللبنانية، إلى أين؟ ــ التاريخ والواقع والآفاق» التي نظمتها «جمعية خريجي المقاصد الإسلامية» في صيدا قبل أيام، إلى الواقع الفني والثقافي في بوابة الجنوب. عندما كانت الكهرباء وأدوات الاتصال حكراً على قلة قليلة، كان غالب أبناء المدينة وجوارها يتوافدون إلى دور السينما التي كانت تقدم الأفلام العربية والأجنبية وعروضاً فنية وموسيقية وأنشطة ثقافية. تلك الدور تحوّلت على نحو تدريجي إلى أبنية مهجورة أو صارت ملحقة بمطعم أو بمركز تجاري. أصبحت السينما محصورة بصالات حديثة في «المول» تعرض الأفلام التجارية. أما الحركة الثقافية في صيدا، فقد غدت محصورة بشكل دوري بمراكز قليلة، لا سيما «مركز معروف سعد الثقافي». الذاكرة الجماعية الصيداوية تحجز مساحة واسعة لـ «أمبير»، و«روكسي»، و«كابيتول» و«الريفولي». لم يكن الفن مثار جدل، بل كان في متناول الجميع، مع اعتبار للعادات المحلية.
في العطل والأعياد، كانت تخصص عروض للنساء وأولادهن الإناث وأخرى للرجال وأبنائهم الذكور. لكن الأهم أن تعرفة الدخول كانت تسمح للفئات الشعبية بالدخول. في ندوة «المقاصد» قبل أيام، حاضر المخرج فؤاد عليوان والممثل مجدي مشموشي. عليوان الذي درس الإخراج السينمائي في الولايات المتحدة الأميركية، وعاد إلى موطنه في التسعينيات ليشتهر بالأفلام الوثائقية والروائية القصيرة وأنجز باكورته الروائية الطويلة «عصفوري» عام 2013، ضاعف حزن صيدا بعرض فيلمه «الصراط المستقيم» (2015) الذي يجسّد في ربع ساعة كيفية اقتحام «داعش» لقرية لبنانية حدودية. صيدا تغيرت كثيراً عن زمن «روكسي» و«أمبير». صار الفن حراماً والاختلاط فرضاً و«داعش» التي يصورها عليوان في فيلمه وحشاً، استطاعت أن تستميل عدداً من أبنائها وترفع رايتها في أكثر من مكان فيها. الفيلم الذي نال جوائز عالمية عدة، وشارك فيه ممثلون منهم أوفيديو ‏الحوت، ونزار غانم وموريال يزبك، يحكي كيف يستبسل رجل ‏يدعى زكريا في الدفاع عن قريته وتأمين سلامة عائلته.‏

تحدّث كل من المخرج
فؤاد عليوان والممثل
مجدي مشموشي

وعن أحوال السينما اللبنانية، اعتبر مشموشي أنها «تشكل صناعة وطنية في الدرجة الأولى، ولا يمكن لأي سينمائي أن يصنع صورة وطن بمعزل عن ثقافة المجتمع والناس». تاريخياً، انطلقت السينما مع محاولات خجولة لعدد من محبي السينما من اللبنانيين في بداية الأربعينيات، وأنشئ استديو لإنتاج الأفلام، قبل أن يتوسع الإنتاج نحو مصر مستفيداً من تطور السينما المصرية. ومع عودة مخرجين سينمائيين لبنانيين من مصر مع بداية الستينيات، ازدهرت صناعة الأفلام وتحولت العاصمة بيروت إلى مدينة ثقافية وعاصمة عبور تنتج وتصدر الأفلام من وإلى مصر. مشموشي أسف للظلم والتهميش اللذين يتعرض لهما الفنانون الكبار ويتم استبدالهم حالياً بالأكثر استعراضية بعدما فقدت الأفلام سويتها الفنية، ونحت صوب تجارية، ما أدى إلى انحدار مستوى الفن السينمائي اللبناني. أما عليوان، فقد اعتبر أنّ مشكلة السينما اللبنانية حالياً ناتجة عن التركيز على نوعية الأفلام الرائجة، لا سيما «التجارية الرخيصة التي لا تليق بالإنتاج الفني اللبناني المبدع بينما تحدّ من إبداعات أجيالنا الصاعدة».