يستدعي اسم الفيلم الدنماركي «الكومونة» (2016) لتوماس فينتربرغ (1969) على الفور كومونة باريس، تلك التجربة التاريخية الفانتازية نوعاً ما، كقصة الفيلم تماماً. هي حكومة بلدية ثورية أدارت باريس بالحكم الذاتي لمدة شهرين، قبل أن تنتهي بمذبحة مع إعدام كل المشاركين فيها.
يدور فيلم «الكومونة» في كوبنهاغن السبعينيات حول زوجين في منتصف العمر، يرث الزوج عن أبيه بيتاً كبيراً، فيقرر بيعه. تقترح زوجته فكرة غريبة هي تأجيره والعيش مع السكّان الغرباء، للتخلص من الملل الذي طرأ علي حياتهما الزوجية. يعمل الزوج «إريك» (أولريش تومسن) أستاذاً للهندسة المعمارية، فيما تعمل الزوجة «آنا» (ترين دير هولم) مقدمة نشرة أخبار في التلفزيون الدنماركي.
العيش في جماعات اعتماداً على أنّ الإنسان ليس له طبيعة، إنما هو الذي يطوّع الطبيعة، حلّ فانتازي لقتل السأم الذي يصاحب الزواج والعلاقات الثنائية. طبعاً، سيقتضي ذلك تقريب الرغبات المتناحرة، ومحاولة التقارب بين الأجيال المختلفة التي تعيش سوياً ويحمل أفرادها ثقافات مختلفة، إلى جانب الوصول إلى نقطة ما مشتركة للبدء منها، والتخلي عن الأنانية ومواءمة الرغبات الفردية، في مقابل الإحساس بالأمان وسط الجمع، والتخلص من الوحدة والتململ.
في «الكومونة»، يتحلّق عشرة أفراد حول المائدة. يجتمع سكان البيت سوياً، يناقشون الأمور المنزلية، وأمور العيش المشترك، بدون رب أو قائد. يتخذّون القرارات بآراء الأغلبية. يأكلون ويشربون النبيذ الأحمر، يتبادلون الحكايات، ويتقاسمون غسل الأطباق، ويحتفلون ويتحممون سوياً. ينضم السكان الجدد إلى البيت عن طريق التصويت من السكان القدامى. يؤكدون أنهم ليسوا عائلة لها أقطاب، كما أن علاقتهم ليست عاطفية ولا جنسية كالعلاقات الثلاثية أو الـ love triangles. هم فقط يعيشون سوياً.
سارت التجربة الثورية بسلام وتناغم بين سكان الكومونة، وبنزاعات أقل من المتوقع، إلى أن قرر الزوج مواعدة فتاة تدعى «إيما»، وإحضارها للبيت لتسكن معهم. يرفض سكان البيت في البداية لأنهم بذلك يخونون فكرة العيش في الكومونة. يحملنا الفيلم إلى التفكير: هل بتغير النظام الاجتماعي والعيش في جماعات، لا تربطها روابط دم وبدون طرف مسيطر، سيستطيع البشر التسامي فوق رغباتهم الفردية، والانتصار للجماعة من أجل إنجاح تجربة العيش المشترك؟ هل سيطرحون على أنفسهم أسئلة وجودية عن جدوى العيش في جماعة؟ هل تستطيع الجماعة تسيير أمورها الذاتية سوياً بدون قائد؟ وعند وقت الخلاف، هل سيخضع الجميع لرأي مالك البيت؟ هل سينبغي لهم الخضوع لرغبة فرد أناني سيسبّب التعاسة للكل؟
على مثاليتها وتفرّدها، لم تختلف «كومونة» الدنمارك عن «كومونة باريس». ككل التجارب «المثالية»، انتهت بمذبحة! توماس فينتربرغ الذي يعدّ أحد مؤسّسي حركة «دوغما 95» مع المخرج لارس فون تراير، عرفه الجمهور عالمياً بعد the celebration (إنتاج عام 1998). وقد علّق على فيلمه «الكومونة» قائلاً إنّه عاش حياته كلها وسط مجموعة، في أجواء احتفالية، وكان يتناول الغداء دائماً وسط الجموع، ودائماً ما تحمل أفلامه هذه التيمة.

The commune: س:20:00 مساء السبت 4 شباط
س: 17:30 بعد ظهر الاثنين 6 شباط