اختار ياسين عدنان أن تكون ثاني حلقات «مشارف» في موسمه الجديد حول التفاعل الثقافي واللغوي بين العربية والفارسية عبر استضافة لافتة للمترجم والكاتب الإيراني موسى بيدج رئيس تحرير مجلة «شيراز» التي تصدر باللغة العربية في طهران، وتعتبر نافذة للقارئ العربي على الأدب الإيراني. البرنامج الذي بثته القناة المغربية الأولى مساء الأربعاء عاد بالمشاهدين إلى تاريخ العلاقة بين اللغتين.
عمد مقدم البرنامج في البداية إلى التذكير بأن الكثير من رموز ثقافتنا العربية كانوا فرساً لا عرباً: من أبي نواس، وبشار بن برد، وابن المقفع، وبديع الزمان الهمذاني، إلى رموزنا العلمية من أمثال ابن سينا والفارابي، إلى المرجع النحوي الكبير سيبويه.
تحمل اللغة العربية في رصيدها حسب ضيف «مشارف» أكثر من ألف وستمئة مفردة فارسية، بل إن القرآن ضمّ أربعين كلمة فارسية. في المقابل، أكد بيدج على التأثير الكبير للثقافة العربية هي الأخرى على اللغة والأدب في بلاد فارس، إذ يتحتم على الباحث الذي يرغب في دراسة الأدب الإيراني أن يكون ملماً بالأدب العربي، لأن الكثير من المفردات والأفكار مستقى منه، فضلاً عن كون الفارسية تضم 50 في المئة من مفردات اللغة العربية. ولذلك قال بيدج خلال الحلقة: «إذا أزلنا الكلمات العربية، ستصبح الفارسية ناقصة».

جبران وقباني ودرويش
ونجيب محفوظ وأدونيس
الأكثر حضوراً في إيران

يبدو أن جملة بيدج «العربية والفارسية ثقافة واحدة بلغتين» كانت مدار النقاش من بداية البرنامج إلى نهايته. وعزى موسى هذا التفاعل الثقافي التاريخي إلى كون اللغتين ظلّتا تتنقلان بين بلاد فارس وبلاد العرب دون جوازات سفر، لا سيما منذ بدء التاريخ الإسلامي.
وتوقف ضيف مشارف عند فن «الملمّع» كأحد أبرز وجوه هذا التلاقح اللغوي والأدبي، حيث كان الشعراء ينظمون القصيدة باللغتين، فيكون بيتها الأول بالفارسية والثاني بالعربية إلى نهاية القصيدة. واستشهد بحافظ الشيرازي الذي تفوق في هذا النوع من الكتابة. حافظ الذي لم يخرج من إيران مطلقاً، كان يجيد العربية ويتكلمها بطلاقة. كما ذكّر بيدج بأن الشعراء الإيرانيين الذين يكتبون الشعر الكلاسيكي، ما زالوا يعتمدون إلى اليوم بحور الشعر بالطريقة ذاتها المعتمدة في الأدب العربي.
وحين أشار ياسين عدنان إلى أننا نحس اليوم كما لو أن هناك تراجعاً في هذا التفاعل الثقافي، يمكن تلمس مؤشراته في الترجمة، فالأدب العربي الحديث مترجم فقط بنسبة اثنين في المئة قياساً مع الآداب الأخرى، اعتبر بيدج ذلك جفاءً وظلماً في حق الأدب العربي. وعزى ذلك إلى توجه الفرس والعرب كليهما إلى الثقافة الغربية التي صارت بمثابة حاجز بين الثقافات الإسلامية.
وعن أبرز الكتّاب العرب من العصر الحديث الحاضرين في الساحة الثقافية الإيرانية، توقف بيدج عند سبعة أسماء: جبران الذي يرى أنّ في كتاباته رقة ورومانسية يحتاج إليهما الإنسان المتعب في إيران. واعتبر بيدج أنّ جبران أشهر كاتب عربي حاضر الآن في إيران، إلى درجة أن الناشرين والمترجمين يغيرون عناوين كتبه باستمرار حتى صارت أضعاف ما أصدره في لغته الأصلية. وإلى جبران، أضاف نزار قباني الذي يميل القراء هناك إلى قصائده العاطفية ولا يقبلون على شعره السياسي، لأن الناس في بلاد فارس متعبون من السياسة على حد قوله، إضافة إلى محمود درويش ونجيب محفوظ وأدونيس وغادة السمان، وسعاد الصباح التي عزى إقبال القراء عليها إلى سببين: القرب الجغرافي من الكويت، ووجود جالية كويتية كبيرة في إيران.
في المقابل، اعترف موسى بأنّ هناك جهلاً لدى الإيرانيين بالأدب المغاربي، فالثقافة المغربية لم تكن تصل إلى إيران قبل الانترنت. وبغض الطرف عن الحضور الضعيف للأدب المغربي الذي لم يكن يصل إلى إيران قبل زمن الانترنت، أشار بيدج إلى النشاط الذي تعرفه حركة الترجمة، ولو بروح تجارية في الغالب. حين يحصل مثلاً كاتب على جائزة «نوبل» أو بعض الجوائز المعروفة، تتهافت كل دور النشر على ترجمة أعماله، حتى أنّ الكتاب الواحد يصدر في الآن ذاته بترجمات عديدة. أما القرآن، فقد أعيدت ترجمته في ثلاثة عقود ثلاثين مرة. وقد فسّر موسى ذلك بوجود فكرة في إيران مفادها أنّ اللغة تتغير كل ثلاثين سنة، وعلى الشباب أن ينفتحوا على الأفكار القديمة لكن بلغة جديدة.
ختم بيدج الحلقة بقراءتين من زمنين متباعدين: فن الملمّع لحافظ الشيرزاي ومقاطع مترجمة إلى العربية للشاعر الشهير سهراب سبهري.