فيما لا تزال «المكتبة الوطنية» (الصنائع)، المعروفة بكليّة الحقوق سابقاً، قيد الترميم، فتحت أبوابها أخيراً لكن لفترة مؤقتة. معرض «بتصرّف» الذي يستمر حتى 23 تشرين الثاني (نوفمبر) هو السبب. فكرة المعرض الجماعي جاءت بفضل مصادفة سلبية. ضمن عملها على افتتاح المكتبة، أصدرت «المؤسسة اللبنانية للمكتبة الوطنية» مجلداً يوثّق لـ«قرن من الصحافة في لبنان» بين 1858 و1958. جرائد ومجلات وإعلانات لبنانية، ووجوه الصحافة ورسوم كاريكاتورية، هي جزء من الأرشيف البصري والمكتوب الضخم الذي يحويه الكتاب بغلافه الرمادي السميك. فور انتهاء طباعة هذه النسخ، تبين أن هناك غلطة في ترقيم الصفحات وتنظيم تراتبيتها. لكن هذه الحادثة تحولت إلى فكرة مشتركة بين مديرة «المؤسسة» رندا الداعوق، وصاحبة «غاليري جانين ربيز» نادين بكداش، لإقامة معرض جماعي. وضعت الامرأتان تاريخ الصحافة وتطورها أمام تدخل الفنانين المدعوين من مختلف الأجيال اللبنانية والخلفيات الفنية الفكرية؛ بدءاً من إيتل عدنان وسيمون فتال ومحمد الروّاس وحسين ماضي، وصولاً إلى ريم الجندي وإيلي بورجيلي ولور غريب ومازن كرباج وأنابيل ضو وألفرد طرزي وأسامة بعلبكي وتغريد دارغوث. انطلق هؤلاء من الكتاب لإنجاز أعمالهم الفنية التي سيعود ريعها إلى «المكتبة الوطنية». ما يستوقف في المعرض ــ رغم تنوّع المقاربات ــ هو المزاج الساخر والتهكمي لكثير من الأعمال، التي تلمست العلاقة بين تاريخ الصحافة اللبنانية وتاريخ البلد السياسي، وثيمة الرقابة والحريات والاغتيالات. بعض الفنانين انصاعوا كلياً للكتاب كمادّة فنية ولمحتواه التوثيقي كثيمة، فاشتغلوا على الكولاج، وأنجزوا أعمالهم من الكتاب نفسه. وبعيداً عن ضرورة التزامهم بالكتاب، تحرّر بعض الفنانين من سطوته المباشرة، وأنجز آخرون أعمالاً فنية مستقلة بذاتها، مثل الفيديو والفوتوغرافيا واللوحات والتجهيزات الفنية. تجهيز فيديو/ فوتوغرافيا للفنانة أنابيل ضو أحد هذه الأعمال. في الفيديو تظهر يد تبني قصاصات من الورق من الكتاب نفسه، كبناء بيت من أوراق الشدة، لكن لا تلبث أن تنهار دفعة واحدة بسبب هواء قوي على الأرجح، وتركت بجانبه ثلاث صور لهذا الانهيار. عمل محمد الرواس عبارة عن صورة فوتوغرافية بالأبيض والأسود لامرأة وفتاة، تجلسان متقابلتين على طاولة تلعبان ورق الشدّة. ومن أسماء الجرائد الرائدة في تلك الفترة: «المصباح»، «الأحرار»، «الآداب»، «البرق»، «صوت الشعب»، «لسان الحال»، «طرابلس»، «المكشوف»، «دايلي ستار»، «الطبيب». يظهّر الرواس تعددية المنابر الإعلامية كقوّة للبلاد، إذ يوسمها بإشارة الأس في اللعب. ومثل سيمون فتال، وإيتل عدنان، يتدخل مازن كرباج مباشرة في صفحات الكتاب، وتحديداً في صفحة من أرشيف «جريدة اللواء» تتناول الحرب في الشرق الأوسط. لكن فنان الكوميكس يبدو مسكوناً بهواجس الزمن الأصولي الراهن، إذ أضاف إلى كلمة «محمد» في الصفحة عبارة «يااااا»، مع ثوب أسود بيدين مرفوعتين إلى الأعلى. هناك من استعاد شهداء الصحافة. رسمت رندا علي أحمد بورتريهاً لكامل مروة الذي اغتيل عام 1966، ووجهت ريم الجندي تحية لشهدائها بشكل عام. على شكل مربع، أفرغت الفنانة الكتاب من الأعلى، ورسمت على ورق شفاف صور كل من كامل مروّة وفؤاد حداد وسليم اللوزي ورياض طه وجبران تويني وسمير قصير وغيرهم. في عملها «فتاة لبنان» استخدمت مصممة الغرافيك ياسمين نشابة طعان اسم جريدة «فتاة لبنان»، ودمجته مع إعلان لبناني قديم يظهر امرأة تمجّ سيجارة مع عبارة «للشفاه علاقة مباشرة بالجمال وحمرة ميشال وحدها تحقق هذا الجمال».

* «بتصرّف»: حتى 23 تشرين الثاني (نوفمبر) ــ «المكتبة الوطنية» (الصنائع ــ بيروت). للاستعلام: 71/642461