في حادثة جديدة ضمن مسلسل «محاكم التفتيش» المصرية، قررت «جامعة الأزهر» إيقاف أستاذ الفلسفة والعقيدة في كلية أصول الدين يسري جعفر ثلاثة أشهر عن العمل، قبل عرضه على مجلس تأديب على خلفية اتهامه بـ «الدعوة للإلحاد والعلمانية»! يوماً بعد آخر، تثبت هذه الحوادث أن الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني في مصر «أكذوبة» تلوكها الأفواه للاستهلاك الإعلامي كمحاولة شكلية للتبرّؤ من أعمال العنف التي تشهدها المنطقة على خلفيات دينية، بينما تعشّش الأصولية في المؤسسات السياسية والأكاديمية، وفي مقدمتها «مشيخة الأزهر» وجامعتها.قضية يسري جعفر، بدأت مع خبر نشرته جريدة «الوطن» المصرية الثلاثاء الماضي، نقلاً عن مصادر في «الأزهر»، بشأن قرار المؤسسة إيقاف جعفر لاتهامه «بالإلحاد ومحاولة إحياء فكر محمد عبده وطه حسين والهجوم على التيار الإسلامي ووصفه بالتيار الظلامي». تهمة أشعلت السوشال ميديا بالسخرية من مؤسسة تخاف أفكار أحد شيوخها ومفتي الديار سابقاً! من جهته، نفى جعفر اتهامه بإحياء فكر محمد عبده وطه حسين، ليقتصر التحقيق على تهمة الدعوة إلى الإلحاد والعلمانية. وأوضح جعفر أن التحقيق استند إلى شكوى قدمها ضده أحد الطلاب، واصفاً أفكار أستاذه بـ «نبت خبيث يجب بتره»، وعبّر جعفر عن أسفه من قرار الجامعة التي كان يأمل أن تعمل على حمايته مما عدّه تهديداً شخصياً، إلا أنها أوقفته وقطعت راتبه إلى حين الانتهاء من أعمال مجلس التأديب!
على صعيد متصل، حاول رئيس لجنة التحقيق مع يسري جعفر وعضو مجمع البحوث الإسلامية حامد أبو طالب، تبرير قرار الجامعة «فزاد الطين بلة»، إذ اتهم جعفر بنشر أفكار تحض على الكراهية والعنف بين الطلاب وتهاجم القوات المسلحة المصرية والشرطة!
ورغم انحسار شهرة جعفر الجماهيرية واقتصارها على طلاب «جامعة الأزهر»، وعدم دقة الاتهام بنشر أفكار طه حسين، فإنّ ثمة تشابهاً بين عميد الأدب العربي ويسري جعفر. تشابه لا يقتصر على فقدان البصر، بل يمتد إلى تقاطع الرؤى والأفكار، إذ تتميز مواقف جعفر بالانحياز إلى حريات التعبير والرأي على خلاف موقف «مؤسسة الأزهر». وفي كانون الثاني (يناير) الماضي، أدان أستاذ الفلسفة حكماً قضائياً بحبس الباحث والإعلامي إسلام بحيري على خلفية اتهامات بازدراء الدين الإسلامي، معتبراً الحكم نموذجاً لصلب حرية الرأي، ومشيراً إلى «غلبة التيار الظلامي على مؤسسة الأزهر». لم ينته الأمر عند هذا الحد، ففي مطلع 2015 دعا جعفر في خلال حوار مع جريدة «عقيدتي» (تصدر عن «دار التحرير» التي تملكها الدولة) بصراحة إلى ضرورة تطبيق العلمانية، مشدداً على «أن المخرج الوحيد للأزمة الحالية يكمن في حكومة علمانية».
لا يكاد يمر شهر في مصر من دون أن يواجه شخص تهمة ازدراء الدين! في أيلول (سبتمبر) الماضي، أيّدت محكمة جنح مستأنف الجمالية في القاهرة حبس السيد يوسف سنة واحدة على خلفية اتهامه بازدراء الدين الإسلامي بعد محاولة إحراق نسخ من كتاب «صحيح البخاري» في خلال وقفة احتجاجية في آذار (مارس) الماضي، أمام «مشيخة الأزهر» لحرق كتب التراث التي تشرع العنف. وفي الوقت الذي كان فيه رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي يناقش ضرورة تجديد الخطاب الديني في خلال إحدى جلسات المؤتمر الوطني الأول للشباب في مدينة شرم الشيخ، كان رجال مؤسسة «الأزهر» و«دار الإفتاء» ينتفضون ضد أستاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة والقانون في «جامعة الأزهر» سعد الدين الهلالي بعدما عرض آراء فقهية لا تعتبر الحجاب «فرضاً»، ما جرّ عليه هجوماً كبيراً وصل إلى حد الاتهام بالفسق وإصدار دار الإفتاء فتوى بـ «فرض الحجاب بإجماع المسلمين سلفاً وخلفاً»!
يأتي ذلك تزامناً مع قرار لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس النواب المصري برفض تعديل قانون ازدراء الأديان بناءً على طلب النائبين محمد زكريا محيي الدين وآمنة نصير، اللذين طالبا بإلغاء الحبس الذي تنص عليه المادة 98 من القانون. إذ صوّت برفض التعديل 20 نائباً في اللجنة، في مقدمتهم رئيس اللجنة بهاء أبو شقة، ومصطفى بكري المعروف بميوله «الناصرية» ونائب «حزب النور» السلفي محمد صلاح خليفة.