في الأسبوع الماضي، أعلنت «مؤسسة عبد المحسن القطان» نتائج النسخة التاسعة من مسابقة الفنان الشاب «اليايا 2016» (جائزة حسن الحوراني)، خلال احتفال نظمته في بيت الصاع في البلدة القديمة في رام الله. العديد من الفنانين شاركوا في المسابقة وعرضوا أعمالهم في هذه المسابقة التي تقام كل عامين، لكن هذه المرة جاءت كلمة عمر القطان رئيس مجلس أمناء المؤسسة كأنه «يبق بحصة» كبيرة عالقة منذ زمن، محملة بما يشبه الاعتراف بفشل ثقافي، لطالما ظل موضوع مقاهي وجلسات جانبية. القطان الذي كان قد عاد لتوه من زيارة إلى غزة هي الأولى منذ سنوات طويلة، يبدو أن المدينة صدمته، ستجعل الكلمات تخرج بأسى عن «تفكير طوباوي ساذج» وعن «انهيار المشروع الوطني الفلسطيني» و«التراجع الثقافي والمجتمع الذي أصبح محافظاً أكثر بكثير من ذي قبل»، و«العجز للتصدي وتغيير الواقع»، و«بعد العمل الثقافي عن الإنسان وفهمه وهمومه، وفقدان الوعي بما يحدث حولنا» كلها كلمات جاءت كبكائية تطرح «تساؤلات» كما ظل يكرر في الكلمة ذات الست دقائق.
إذن وأخيراً «شهد شاهد من أهله» من شخص فاعل بوزن السيد قطان، وهذا مدعاة للتفاؤل، ولكن ما يثير الأسف أننا احتجنا إلى «16 عاماً» كما يشير القطان في كلمته لتكون ليلة افتتاح فعاليته بمثابة مناسبة لجلد الذات.
منذ أكثر من «16 عاماً» ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني تخاطب الأجنبي قبل المجتمع المحلي (معظم المواقع الإلكترونية تفتح باللغة الإنكليزية) ومئات البرامج والمشاريع الثقافية أقيمت على مزاج الممول. منذ أكثر من «16 عاماً» يجري العمل الثقافي العام مع غياب للسياسات والاستراتيجيات الثقافية التي تخاطب المجتمع والإنسان ليحل محلها استراتيجيات هدفها الأول ضمان الحصول على تمويل، تلك المؤسسات التي حوّلت للأسف عشرات المثقفين والمبدعين إلى مجرد موظفين في مؤسسات بائسة، تلك التي اختارت أن تهتم بقطاع ضيق «فنانين ومثقفين» لتتجاهل الشباب والمجتمع، ومنذ أكثر من «16 سنة» والتكتلات في المشهد الثقافي وغياب الوعي الوطني والعمل الجماعي هي المسيطرة، حتى «بينالي قلنديا الدولي» الذي هو نتيجة عمل بعض المؤسسات مجتمعة؛ كلنا نعرف الظروف التي دفعته لأن يكون عملاً جماعياً؛ وأبرزها تقليص التمويل الأجنبي لبعض المؤسسات الفلسطينية، ما دفعها إلى تجميع فعالياتها لعرضها دفعة واحدة.
المشهد الثقافي الفلسطيني أيضاً مقسم يا عمر، فالانقسام ليس سياسياً فقط، فلنعترف بالمعسكرات حولنا، ولنحاول أن نناقشها، لدينا معسكر السلطة ممثلاً بوزارة الثقافة وتكتلاتها. ورغم وجود وزير ثقافة نكنّ له كل الاحترام ويحاول أن يكون بين الناس، لكن هذا لن يحجب حقيقة أن هذه الوزارة هي جزء من سلطة ضعيفة أضاعت الحق الفلسطيني على مدار سنوات وتفتقد إلى أدنى مستويات الثقة للأسف، ولدينا معسكر «الإن جي» أو الـ «كول» وهذا أكثر ما يهمه الحفاظ على استمراريته من خلال مواصلة الحصول على التمويل بغض النظر عن الجدوى الثقافية والمجتمعية، وهناك معسكر آخر من المثقفين والفنانين الذين باتوا لا يتوانون عن تقديم طلبات تمويل مشاريعهم لمحتلهم، حتى إذا كان هذا يحتّم عليهم تمثيل المحتل في الخارج.
من ناحية أخرى، انفصل العمل الثقافي العام عن الواقع السياسي والوطني، عوضاً عن لعب دور رئيس وفعال، وتجاهله الإجابة عن أسئلة مصيرية ووجودية تتعلق بانهيار المشروع الوطني، والسكوت عن سلطة فلسطينية فاشلة، والتعامل مع المحتل كأمر واقع؛ علينا التكيف معه. قبل سنوات، وجه أحد الفاعلين في المشهد الثقافي الشكر والعرفان لجيش الاحتلال لتسهيله إدخال عمل فني. نعم، هذا فعلاً حصل!
عمر القطان القائم على مؤسسة فلسطينية نكنّ لها كل الاحترام والتقدير ونشهد لها بالكثير؛ جاءت كلماته خجولة وغير مباشرة لكنها تحمل إشارات واضحة ومفهومة، فتلك الكلمات التي كان يتقطر منها الأسى ــ وإن جاءت متأخرة ــ في غاية الأهمية من شخص مسؤول عن عديد المشاريع الثقافية. ما نأمله الآن أن تجد تلك الكلمة وقفة حقيقية مع بقية الفاعلين الثقافيين في فلسطين المحتلة (من كافة المعسكرات) تناقش حالنا بهدوء وتروٍّ ودون انزياحات، ليس لطرح التساؤلات فقط؛ بل لطرح حلول وتحركات وخطط لمواجهة هذا الواقع المعتم، الذي وصلنا إليه بسبب غياب مشروع تحرر وطني استبدل للأسف بمشروع شقة مطلة على جدار وسيارة يتوقف محركها عند أقرب نقطة تفتيش.