خبر ظهور اليمن في قائمة الترشح التمهيدية لفئة أفضل فيلم أجنبي في مسابقة الأوسكار الـ 89، صنع بهجة في قلوب كثيرين من أبناء البلد الذين صاروا يتمنون خبراً سعيداً يبهج أيّامهم. هذا على الرغم من حقيقة أنّ المشوار لا يزال طويلاً أمام ترشحه النهائي. فيلم «أنا نجوم، بنت العاشرة ومطلّقة» (2015) لخديجة السلامي ظهر ضمن 85 عنواناً تنتظر مرحلة التأهل إلى القائمة النهائية التي سيكون إعلانها في 26 شباط (فبراير) المقبل. ليست المرة الأولى التي يدخل فيها فيلم يمني إلى هذه القائمة، حتى إنّه صعد مرة للمنافسة النهائية عبر الفيلم الوثائقي «ليس للكرامة جدران» لسارة إسحاق في الدورة الـ 86 من جوائز «أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة» الأميركية.يحكي فيلم خديجة السلامي قصة الصبيّة نجود التي ذاع اسمها، بعدما رفعت دعوى طلاق ضد زوجها الذي يكبرها بنحو عشرين سنة وربحت فيها. وبحكم إقامتها الطويلة في باريس، لم تجد مخرجة العمل صعوبة في حصولها على دعم فيلمها الذي يلقى موضوعه رواجاً أكيداً عند متلقّ أجنبي باحث عن قصص زواج الصغيرات والعنف الجنسي القادمة من «أدغال» الشرق المُسلم.
محاباة السعودية وتبرئة النظام السياسي والفقر من قضية زواج القاصرات

وقد خرج العمل متواطئاً مع هذا السياق ومنشغلاً به، ما أدى إلى ظهوره على نحو مطابق لصيغة فيلم وثائقي، بل أقرب ما يكون إلى صيغة أفلام التوعية الحكومية القصيرة التي يتم تنفيذها لأهداف محددة تسعى إلى خدمة مجتمع مُطالب بالتخلّي عن ظواهر اجتماعية محددة. كل هذا أبعد «نجوم» تماماً عن إمكانية ظهوره على صورة فيلم روائي طويل ملتزم بالخطوط الفنية العريضة التي كان ممكناً عبرها خروجه بصورة تقنع المتلقي بحقيقة الفئة التي ينتمي إليها. يضاف إلى ذلك غرق العمل في فترات غير قصيرة منه في نقل مشاهد من الطبيعة اليمنية حيث نشأت بطلة الفيلم على مساحتها الجغرافية، ما أسهم في ابتعاد الشريط عن غايته المفترضة كعمل روائي لا كفيلم يهدف إلى جلب المزيد من السيّاح الأجانب إلى أرضه.
إلى كل هذا، بدا لافتاً تعمّد السلامي تبرئة النظام السياسي من أيّ مسؤولية تتعلق بالظواهر السلبية العديدة التي حملها الشريط؛ ومنها ظاهرة زواج القاصرات. ليس منطقياً أن ينخرط الناس في هذا النوع من الزيجات بسبب خشية الآباء على طفلاتهم من حوادث الاغتصاب، وفق ما أظهره العمل ويعلنه والد الفتاة في نهاية العمل. لا يبدو الفقر سبباً أساسياً في ذلك وفق المخرجة التي تعاملت معه كإشكالية هامشية لا رئيسية يتحمل النظام كامل مسؤوليتها، وقد ترك المجتمع مسحوقاً بأثقال فساد ممنهج وواقع تحت حصانة رسمية غير مُعلنة. بمعنى أن المشكلة تكمن في الناس لا في النظام. ليس هذا فقط: لقد ذهبت السلامي التي شغلت لسنوات طويلة منصب المستشارة الثقافية في سفارة صنعاء في باريس، إلى تظهير صورة القضاء والشرطة على نحو نموذجي يناقض تماماً حالة التخلّف التي يعيشها المجتمع القبلي الظاهر في سياق الفيلم والمعكوس عبر رمزية الشيخ القادر على اقتحام مبنى محكمة والسيطرة على مجريات سير العدالة بداخلها.
إلى ذلك، أتت صورة المملكة السعودية على نحو غير مبرر، وظهرت على نحو فجائي متجاوزة السياق العام للشريط. هكذا، يكتشف المشاهد هروب الأخ الأكبر لنجوم إلى المملكة، وحضوره في مشهد مع أمير سعودي يقرأ جريدة تناولت قصة «نجوم»، معلناً رأيه السلبي في أهل اليمن الذين «من الممكن أن يفعلوا أيّ شيء».
تظهر مسألة إقحام المملكة تلك محاولة أخرى لكسب نقاط لدى النظام المحلي الذي تسعى السلامي إلى نيل رضاه طوال الشريط، ما أضاع فكرة العمل ونزع عنه صفة السينما التي يُفترض أنه يحملها على المستوى الجمالي في أقل صورة ممكنة له. يبدو أن القضايا العادلة لا تصنع دائماً سينما جيدة.