فيما يعيش العالم تحت وطأة الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، تعاني المنطقة تراجعاً حاداً في مجال الحرّيات، ولا سيّما على صعيد الفن والثقافة. رغم وجود أجهزة رقابية منذ أربعينيات القرن الماضي، خاض المثقفون اللبنانيون معارك إعلامية وقانونية رسّخت حرّية التعبير في مقابل ميل السلطة إلى تقييدها. لكن تراجع الحريات في المنطقة انسحب (ولا يزال) طبعاً على لبنان الذي يتميّز عن محيطه بدستور وقوانين وتشريعات تضمن حرية الرأي والتعبير، فضلاً عن توقيعه على اتفاقيات دولية في هذا الإطار. هكذا، هبّ مثقفون وناشطون وجمعيات أهلية في السنوات الأخيرة للنضال لإبرام قانون جديد وعصري ينظّم الرقابة على الأعمال الفنية.في هذا السياق، تشهد بيروت بدءاً من اليوم حدثاً فريداً من نوعه يستمر حتى 9 تشرين الأوّل (أكتوبر) الحالي. وبالشراكة مع منظمات إقليمية ودولية، تعقد «الشبكة الدولية لفنون الأداء المعاصرة» (IETM) لقاءً فرعياً حول حرّية التعبير، بحضور أكثر من 150 فاعلاً ثقافياً من أنحاء العالم لزيارة العاصمة اللبنانية ومساندة قضية حرّية التعبير. تزامناً، تُطلَق «الحملة الدولية لحرية التعبير» جامعةً مؤثرين من مختلف القطاعات الثقافية، والإعلامية، والفنية، محلياً ودولياً، لمساندة الإصلاحات المطروحة لقوانين الرقابة في لبنان والمبادرات المماثلة في المنطقة. أبرز الإصلاحات المرتبطة بلبنان تتمثّل باقتراح مشروع قانون سيُعلن عنه وزير الثقافة ريمون عريجي لإلغاء الرقابة على الأعمال المسرحية، من المتوقع أن يعرضه على مجلس الوزراء قريباً، لإحالته لاحقاً إلى مجلس النوّاب في حال الموافقة عليه (راجع الكادر).
في اتصال مع «الأخبار»، تؤكد مديرة المشروع وعضو مجلس إدارة IETM، جوليان عرب، أنّ التحضير للقاء استغرق سنة تقريباً. وتزامناً مع الأنشطة التي ستجرى في فضاءات عدّة في بيروت على مدى أربعة أيّام (البرنامج الكامل)، ستشهد بلدان أخرى في العالم أنشطة موازية دعماً لما يحصل في مصر وهي: إيطاليا، اليونان، سويسرا وأوستراليا. خلال هذه الفترة، بإمكان كل مَنْ لديه نشاط ثقافي الانضمام إلى الحملة تلقائياً من خلال هاشتاغي #IETMBeirut و#FreedomofExpression.
إلى جانب الأنشطة، انضمت إلى الحملة مؤسسة Howlround لإنتاج سلسلة مقالات، يُنشر جزء منها في «الأخبار» ، تتضمّن آراء منوّعة حول حرّية التعبير بقلم فنانين ومبدعين، وربطها بمواضيع أخرى أساسية كحقوق الإنسان والسياسات الثقافية...
لكن لماذا يركّز اللقاء على الرقابة على المسرح؟ يأتي الجواب سريعاً من جوليان عرب التي تشدّد على أنّ هذا الخيار «الاستراتيجي جاء نتيجة مشاورات مع اللجنة الحقوقية». وتضيف: «شبكة IETM تُعنى بفنون الأداء المعاصرة، ومن الطبيعي أن يكون المسرح ضمن أولوياتها. منذ البداية، كنّا واضحين حول ضرورة العمل للضغط نحو إلغاء الرقابة المسبقة على الأعمال المسرحية». وتشير إلى عامل آخر مهمّ: «بما أنّ الرقابة على المسرح تُطبّق بموجب مرسوم اشتراعي، فإنّ إلغاءه يكون أسهل من القوانين الخاصة بالرقابة على السينما والمطبوعات وغيرهما».
في ظل شلل المؤسسات اللبنانية، قد يبدو الإقدام على هذه الخطوة غير منطقي. لا تنكر عرب صعوبة الوضع الراهن، مشيرة إلى أنّ ما سيتم الإعلان عنه اليوم هو نتيجة عمل طويل مع اللجنة القانونية في وزارة الثقافة وتراكمات عمل ونضال قديمين، ومشددة على أنّه «حتى لو لم تؤت هذه الخطوة ثمارها فوراً، من المؤكد أنّنا سنصل عاجلاً أو آجلاً إلى مرادنا».
برأي جوليان عرب، لهذا اللقاء أهمية كبيرة على صعد عدّة. وزير الثقافة ريمون عريجي سيُعلن رسمياً تبنيه لهذا التعديل، قبل متابعة العمل مع اللجنة القانونية في الوزارة لوضعه على السكّة الصحيحة. كما أنّه سيتيح فرصة «التشبيك والضغط» في ظل وجود مؤسسات وجمعيات دولية وعربية تعمل في مجال الفن وحرية التعبير: «لقاء بيروت سيمكّننا من معرفة مع مَنْ يمكننا العمل وكيفية المتابعة». أبرز إيجابيات الحدث البيروتي الذي يشارك فيه الجميع تطوّعاً، تتمثّل بوجود مديري مهرجانات ومؤسسات ثقافية من مختلف دول العالم، ما سيخلق فرصاً للفنانين الشباب للتعرّف إليهم وبالعكس. هنا، تشير جوليان إلى أهمية اللقاءين اللذين سيُعقدان مع الفنانين/ات. اليوم (15:40 ــ 16:40) سيشارك في اللقاء الأوّل: علي شحرور، كلارا صفير، مجموعة «أمي»، ريما مارون، يارا بونصار وعمر الجباعي. وفي اليوم التالي، سيكون الموعد (س: 12:15) مع: عليا حمدان، كريستيل خضر، إيلي يوسف، فرقة «منوال» المسرحية، مريم حمّود، فاليري وارنوت، ويمنى سابا، فضلاً عن جلسات نقاش مع أسماء بارزة.
أما البرنامج الفني، فيضم عروضاً منوّعة يتعلق بعضها بشكل مباشر بإشكالية الرقابة؛ من بينها «(غير) ممنوع من العرض» (اليوم/ 12:15 – 13:00/ ستايشن ــ جسر الواطي) للكاتب والمخرج اللبناني لوسيان أبورجيلي الذي صارع جهاز الرقابة طويلاً، إذ منعه الرقيب من عرض مسرحيتين؛ إحداهما «بتقطع أو ما بتقطع؟». سيُخبر لوسيان الحاضرين قصته، عارضاً مقاطع ممنوعة من «بتقطع أو ما بتقطع؟». أما الافتتاح الليلة (س:20:00 ـ مسرح المدينة)، فسيكون بكلمة للفنانة المخضرمة والرائدة نضال الأشقر التي ستتحدث عن دورها في توسيع حرية التعبير في الفضاء العام، بدءاً من مسرحية «مجدلون» في أواخر الستينيات (راجع مقال الزميلة زينب حاوي)، تليها كلمة الوزير ريمون عريجي.

اللقاء الفرعي لـ«الشبكة الدولية لفنون الأداء المعاصرة» حول حرية التعبير: من 6 حتى 9 تشرين الأوّل ــ فضاءات مختلفة في بيروت. للاستعلام: 03/532165