عبر هاشتاغ #كلنا_أحلام_مستغانمي، تضامن محبّو الروائية أحلام مستغانمي، مندّدين بما أسموه «جريمة السرقة» التي اتهمت بها، فيما طالبني العديد من الصحافيين بالرد. احتفظت بهذا الرد لحين التواصل مع مستغانمي لفهم سوء التفاهم الحقيقي الحاصل في المشكلة التي تفجرت من دون سبب أو ادعاء حقيقي.أوّلاً، لم يصدر عن مستغانمي تصريح بهذا الشأن، وقد انتظرت تأكيد الأمر من بعض أصدقائنا المشتركين، خصوصاً أنّ اللغة المستخدمة لم تكن لغة الأديبة التي اعتدناها. من المستحيل أن تقول أحلام مستغانمي «يا للصفاقة ويا لقلة الحياء البارحة شاهدت الحلقة الأولى من مسلسل «مدرسة الحب» وذُهلت لا بد أن أرفع عليهم دعوى». إنها الكاتبة ذاتها التي قالت يوماً في إحدى مقالاتها «ليس من عادة الكبار أن يهاجموا، وإن هوجموا لا يردون، هذا ماعلّمني إياه نزار (قباني)». فمن غير الممكن لقامة كبيرة مثل أحلام مستغانمي أن تخون العبارات. إنّها أسطورة اللغة وسيّدة عصا الكلمات السحرية... وأضطر هنا للرد.
لقد حظيت بفرصة لقاء أديبة أعترف بتأثّري بها حقيقةً، ولو كان هذا اللقاء عبر السطور والصفحات، لكنّني لم ولن أسرق يوماً، وهذا ما علّمتني إياه الحياة، هذا ما كسبته من معاشرة القلم. السرقة تكمن في اقتباس قصة الرواية، حكايتها، خطوطها، شخوصها وأحداثها. ما حصل هو تلك العبارات اللاذعة التي نقرأها يومياً ونسمعها من دون النظر إلى موطنها الحقيقي أحياناً. إنّها تدخل إلى العقل الباطني للكاتب. قد يسمعها في الشارع، ويجد نفسه من دون أن يدري يستخدمها في حواراته التي يبنيها لشخوصه من دون أن يمس أصل الحكاية والمقترح الروائي الذي قدمته أحلام مستغانمي. وهي مناصرة الأنثى، والكاتبة بلسانها، واللاذعة بحزنها كما بصمتها. في صمتها كلام أكثر مما تقوله للعلن، في نقاطها الفاصلة بين جملة وأخرى عبارات أكثر من تلك المكتوبة. أنا أيضاً أناصر تلك المرأة دوماً وأتحدث بلغتها، فمن الطبيعي والوارد جداً أن أتأثر بها. اقتباسي لبعض جملها ليس بفقر بقدر ما يكون شرفاً، ليس بعجز بقدر ما يكون تأثراً. تحكي رواية «الأسود يليق بك» قصة الملياردير الذي عشق مغنية شعبية، وعاش معها إحدى أجمل قصص الحب وتركها لأسباب تتعلق بالعادات والتقاليد. تلك الحكاية التي قد نسمعها في أي مكان وأي زمان. إنّه السبب الذي تتشاركه مئات النساء المخذولات يومياً. أما ثلاثية «كلمات» التي اتهمت بسرقتها من «الأسود يليق بك»، فتحكي قصة أستاذ المعهد العالي للفنون المسرحية الذي يعيش مع زوجته حالة الحداد على فقدان طفلتهم الصغيرة ذات الخمس سنوات، بعدما استفاقا يوماً على فاجعة وفاتها سريرياً، فدخلا مرحلة الحداد والحزن وجلد نفسيهما، على ذنب لم يرتكباه يوماً. ضمن تلك الدوامة، وجد ذلك الرجل نفسه أمام قصة حب عاصفة جمعته بطالبته التي تصغره بعشرين عاماً. إنّها قصة الحب بين العقل والجنون، بين الحكمة والمراهقة الصغيرة تلك. أيضاً قصتي سمعناها مراراً وتكراراً... تحدث في مجتمعاتنا يومياً، ليست بالفكرة البكر التي لم يكتبها أحد. لكن أين السرقة الموصوفة بين حكاية الرواية وحكاية الثلاثية؟ وأين والاقتباس والتجني؟! ألا يخطر للكاتب الذي قرّر سرقة تلك الرواية أنّه ثمة كثيرون قرأوا تلك الرواية وعلقت قصتها كما حواراتها في أذهانهم؟ نحن ندخل من خلال شاشة التلفاز البيوت دونما استئذانها، فألا يخطر لنا أننا سندخل لبيت يحتفظ بتلك الرواية ومن الممكن أن يكون أحد أفراده يقرأها في وقت عرض المسلسل نفسه؟
جمل الأديبة أحلام مستغانمي لاذعة، حادة كسوط، مؤلمة وموجعة، ولعلي أشاركها نزعة الحزن تلك، والذهاب إلى الأقصى فيما يتعلق بخيبات المرأة. سألت يوماً سؤالاً وأكرره الآن: لماذا نحب كاتباً بالذات؟ ولماذا أحببنا أحلام مستغانمي؟ هل لأنّها تتفوّق علينا، أم لأنها تشبهنا إلى حد الذهول؟ هل لأنّها ساحرة في زمن العبودية، أم لأنّها تبوح لنا بخطايانا وأسرارنا؟ نحن لا نمتلك شجاعة الاعتراف بالسر. أحلام مستغانمي تبوح لنا بهذا السر الذي نخفيه. حواراتها أدبية ولغة مسلسلاتي عامية. أنا أيضاً أحاول البوح بهذا السر والاعتراف بتلك الخطايا، أجرّب قول ما تخشى المرأة قوله، وربّما كان هذا السبب الذي جعل جملها تعلق في ذاكرتي، وربّما استخدمتها ليس بحرفيتها، إنما من خلال صياغة تناسب حوارات شخوصنا. أنا متأثرة بأحلام، أعشق جرأتها وبوحها، صدقها في الحزن وتفننها به، إنّه ملعبي الذي لطالما استمتعت بالدخول إليه. حتى أحلام مستغانمي تأتي بحواراتها وجملها تلك منّا. من قلوبنا كما أرواحنا، لا تأتي بها من كوكب آخر، كلنا نمتلك القاموس ذاته، لا قاموس خاصاً بكل كاتب. بصمتنا تكمن في اللعب على تلك المفردات الواحدة، «شقلبتها» وإعادة ترتيبها. كلنا نستخدم العبارات والكنايات والصور ذاتها، نصرخ بذات الألم، ونعيش المتعة ذاتها، ما من مفردات مختلفة. مهمتنا تكمن في كيفية استخدام تلك المفردات ومتى. وأنا اليوم في ردّي على كل ما قيل وكل من يحبّون أحلام ويدافعون عنها، سأرد ليس بكلماتي إنّما بكلماتها: «علّي أن أقر بأنّني مدينة لأعدائي بكثير من نجاحاتي وانتشاري، ولا يفوتني أن أتوجه بالدعاء الى الله كي يحفظهم ويبقيهم ذخراً لي للأعوام المقبلة، فالكاتب الذي لا أعداء له هو كاتب سيئ الحظ، إنه كاتب غير مضمون المستقبل، لأنه فاقد وجود التحدي» تلك أحلام التي عشقت، والتي تيمنت واستلهمت... شكراً للرائعة الأديبة أحلام مستغانمي.