تشهد بيروت اليوم ولادة فريدة في نوعها بكل المقاييس. إلى سلسلة المهرجانات اللبنانية، ينضم حدث مخصص لأفلام الرعب والفانتازيا والإثارة والخيال العلمي. إنّه «مسكون»، الحدث الأوّل من نوعه عربياً، الذي يُبصر النور في العاصمة اللبنانية نتيجة تعاون بين شركة «أبوط للإنتاج»، و«جمعية متروبوليس» والـ ALBA وموقع «سينموز» الإلكتروني. في ظل المحاولات الحثيثة لتعزيز واقع السينما في لبنان، والتحسّن المقبول الذي يشهده هذا القطاع أخيراً، برزت فكرة إطلاق مهرجان محصور بأعمال الـ «جنر» وموجّه إلى «هواة النوع».«نحن هواة لهذا النوع من الأفلام التي قلّما نستطيع مشاهدتها في الصالات التجارية العربية. هي لا تصمد كثيراً في شبابيك التذاكر مقارنة بالأعمال الهوليوودية القائمة على الإثارة والإمتاع والتشويق»، يقول المدير الفنّي لـ «مسكون» أنطوان واكد لـ «الأخبار».
خلق بنية تشجّع على ولادة إنتاجات من هذا النوع في المنطقة وبجودة عالية

إذاً، يحاول المهرجان الجديد سدّ جزء من هذا النقص في لبنان والعالم العربي، عبر مجموعة من الأفلام، التي جرى اختيارها بعناية من دول عدّة. علمية الانتقاء ركّزت على سينما المؤلف من دون أن يخلو البرنامج من الشرائط الجماهيرية التي تمتلك العناصر الكفيلة باستقطاب الجماهير، وعلى رأسها الفيلم الكلاسيكي «هالوين» (1978) لجون كاربنتر. «حرصنا على التنويع في البلدان والمواضيع والمدارس السينمائية والرؤى الإخراجية، وكان همّنا عدم التكرار». هكذا ما يؤكده واكد، موضحاً أنّ الأفلام القصيرة المدرجة على لائحة العروض تثبت أنّ هناك «مواهب إخراجية شابة واعدة».
من اليوم حتى 18 أيلول (سبتمبر) الحالي، سنكون على موعد مع مروحة منوّعة من الأفلام الطويلة (8) والقصيرة (6). أفلام ستستضيفها «متروبوليس أمبير صوفيل»، على أن يجري الختام في «ستايشن بيروت» (جسر الواطي) الذي سيشهد أيضاً Cine-Concert يتضمّن عرضاً لستة أفلام قصيرة صامتة للمخرج الإسباني الرائد سيغوندو دي شومون (1871 ــ 1929)، بمرافقة موسيقى للثنائي The Bunny Tylers. اشتهر شومون بخدع كاميراته وحيله البصرية، ما دفع إلى مقارنته بالسينمائي الفرنسي الشهير جورج ميلييس، كما كان من أكثر مخرجي الأفلام الصامتة الإسبان شهرة على صعيد العالم.
فيما يشدّد على الاهتمام الذي تحظى به أفلام الرعب والفانتازيا والإثارة والخيال العلمي في المهرجانات العالمية مثل «كان» و«سندانس» و«برلين» وعلى ازدهارها في السنوات الأخيرة، يلفت واكد إلى أنّه خلال عمله في «أبوط»، التي تنتج أفلاماً طويلة «لاحظنا افتقار السينما العربية واللبنانية إلى أفلام الـ «جنر»، علماً بأنّ مجتمعاتنا مليئة بالمواضيع التي يمكن الإفادة منها في إنتاج هذا الشكل من الفن السابع». ولأنّ جمهور هذه الشرائط والصالات التجارية التي تعرضها قليلان أيضاً «قرّرنا الإقدام على هذه الخطوة. لأنّ مَنْ يقصد المهرجان يعرف تماماً ما هو آتٍ لمشاهدته».
هذا الكلام يقودنا إلى هدف آخر وأساسي من إقامة «مسكون»: «خلق بنية تشجّع على ولادة إنتاجات من هذا النوع في المنطقة وبجودة عالية، فضلاً عن منصة لاستقطاب هذه الشرائط وإطلاقها ودعمها وتسليط الضوء عليها، وبالتالي تشكيل مساحة لقاء ونقاش وتعاون محتمل بين صانعي الأفلام العرب والفنيين والهواة». في هذا السياق، يتطرّق واكد إلى قلّة المخرجين العرب الذين أنجزوا أفلام «جنر» طويلة، أبرزهم غسّان سلهب (58 عاماً) في «أطلال» (2006) و«الوادي» (2014). لا ينكر واكد وجود صعوبات تعترض تنظيم «مسكون»، ولا سيّما تقنياً لجهة الحصول على الأفلام واستقدام الضيوف الأجانب الذين تخاف غالبيتهم من المجيء. لكن في النهاية، وتعزيزاً للجانب العملي الذي يمكن للطلاب وصنّاع هذا الفن استثماره جرى الاستقرار على ضيفين مميّزين سيطلان في ورشتي عمل. الأول هو خبير المؤثرات الخاصة والقوالب الاصطناعية دان فراي، والثاني خبير المؤثرات البصرية شادي أبّو.
صحيح أنّ فريق العمل الذي خطّط ونظّم مهرجان «مسكون» ليس كبيراً، لكنّه يبدو مصرّاً على النجاح، ويضع آمالاً كبيرة على الدورة الأولى، فيما يخطط لتطوير وتوسيع هذا الحدث في المرحلة المقبلة وجعله محطة سنوية.

* مهرجان «مسكون»: بدءاً من اليوم حتى 14 أيلول (سبتمبر) ـــ «متروبوليس أمبير صوفيل» (الأشرفية) ـ للاستعلام: 01/204080