بعد انتظار دام أكثر من أربع سنوات بعد تأسيس فرقته، وبعد ما يقارب 15 سنة من الصولات والجولات الموسيقية، صدر أخيراً ألبوم «جسور» للعازف والمؤلف الفلسطيني عيسى مراد. كان الأخير يبحث عن ضالته، عن «صوت له شخصية وحرية في العزف» وفق ما يقول لنا. الفنان الذي درس الموسيقى في «معهد إدوارد سعيد» في فلسطين لينتقل بعدها إلى القاهرة ويدرس آلة العود في «بيت العود العربي» ومن ثم إلى فرنسا ليدرس علوم الموسيقى في «جامعة السوربون»، سنعثر في باكورته على خلطة من «الفيوجن» تصهر داخلها كلاً من الجاز والموسيقى العربية والهندية وموسيقى البلقان. تنوع الخلفيات الموسيقية ومهارة العازفين في الألبوم الجديد؛ ساعدا في إحكام هذه الخلطة، فالموسيقيون الذين استعان بهم مراد هم أصلاً أفراد مجموعته التي كانت سبباً في تأخر ظهور هذا العمل، حيث العثور على موسيقيين مهرة يتآلفون ويجتمعون لإنتاج عمل موسيقي من دون مظلة إنتاج ضخمة هو أمر صعب وشاق. لكن هذا ما حظي به الفنان الذي جمعت فرقته مجموعة موسيقيين لامعين، هم: الهندي ريشاب براسانا على آلة «البناصوري» (الناي الهندي)، والسوري سمير حمصي على الإيقاع، ومن فرنسا مارك بورونفوز على الكونترباص، وريتشارد توريغانو على البيانو، وفردريك شابيرون على الدرامز.
يبدأ الألبوم بمقطوعة «جسور» التي بنيت لتعبر عن عنوان الألبوم بالفعل، إذ تبدأ بعود وإيقاع لتسلَّم الدفة للبيانو والدرامز، يظهر بعدها الناي الهندي فيتلوه عازف الناي، وهو الصوت الوحيد في الألبوم الذي يظهر في هذه القطعة، ليعود بعدها إلى العود وتقسيمه بمرافقة الإيقاع الصوتي الهندي. بعد ذلك تعزف الفرقة كاملة دفعة واحدة، في توزيع لافت ومحكم؛ كأن مراد أراد أن يستهل ألبومه بفلسفته الموسيقية المبنية على التنوع والخلط والبناء المركب. في القطعة الثانية «المفقود»، نستمع إلى عزف عود تقليدي مع إيقاع سمير حمصي، لنفاجأ بعدها بتحويلة ننتقل معها إلى أجواء الموسيقى الهندية. يصمت العود ويرافق الناي الهندي كلاً من الإيقاع والبيانو، ليظهر العود مجدداً في منتصف القطعة بتحويلة على مقام الرست تنتهي باللحن الرئيسي. وفي «رقصة المجنونة» إيقاع سريع تتوالف معه جميع الآلات، فيحاور فيها البيانو الدرامز، وتشتبك قرارات البيانو مع العود. أما في «البحر»، فينقلنا مراد إلى أجواء مختلفة أكثر هدوءاً يتصدر فيها العود دور البطولة في بدايتها، ويتراجع في منتصف القطعة ليفسح المجال للناي الهندي، ليعود ويسيطر على القطعة بإيقاع سريع. في «هروب»، تعود الطاقة اللافتة التي كنا قد سمعناها في القطعة الأولى، إذ تعزف كل الآلات ويفرد مراد مساحة لارتجالات مختلفة للبيانو والعود والإيقاع. أما «زينة»، فتُستهل بعود وبيانو مع لحظات صمت لافتة، يخفت الإيقاع، ويلعب العود بخفة متنقلاً بين القرار والجواب، وتليها «الشخص الغامض» مع تحويلات موفقة تنقذ القطعة من الوقوع في فخ الرتابة والملل. أما في قطعة «يناير»، فيشتبك العود مع البيانو والكونترباص، ويظهر الناي الهندي بين الحين والآخر ليطَعِّم اللحن. يُحسب للفنان في هذه القطعة إدخال مساحات صمت موفقة في غمرة الصخب. تليها قطعة «كرفان1» حيث يلعب العود مع الكونترباص بقطعة قصيرة (دقيقة ونصف) ستجعلنا نتساءل عن جدوى وجودها منفصلة هكذا، بينما كان ممكناً مثلاً أن تكون استهلالاً للقطعة التي تليها وسمِّيت بالاسم نفسه «كرفان2» التي تلعب بها كل الآلات بإيقاع سريع وطاقة لافتة لتأتي كقفلة موفقة للألبوم.
يكشف عيسى مراد في ألبومه الأول عن قدرة لافتة في التوزيع الموسيقي، ويُحسب له إدخاله العديد من الأنماط الموسيقية لنستمع إلى جمل الموسيقى العربية والهندية والجاز في قطعة واحدة، إضافة إلى أن توظيف الناي الهندي في القطع أعطى خصوصية للعمل، رغم إحساسنا أحياناً بسطوته على بقية الآلات. وخلافاً للكثير من الموسيقيين الذين يعتمدون طريقة «المالتي تراك» (العزف المنفرد لكل آلة) في تسجيل أعمالهم، تم تسجيل ألبوم «جسور» في غرفة واحدة حيث عزف الجميع دفعة واحدة، ما أعطى طاقة واضحة على معظم مقطوعات الألبوم، وكان من الواضح خلو التسجيلات من أي مؤثرات صوتية.
من ناحية أخرى، سنبحث عن جديد، من دون أن نعثر عليه. عود مراد سيذكرنا مثلاً بـ «قنطرة» سيمون شاهين. أما «الفيوجن»، فهو موضة العصر الآن، وعشرات التجارب عربياً باتت تخلط العديد من الأنماط الموسيقية، ولكن في «جسور» سنعثر على جمل لحنية واثقة، وتوزيع لافت، وطاقة خارجة من عمل جماعي مهووس بتقديم موسيقى جيدة. تلك بمثابة أرضية صلبة ستسمح لعيسى مراد إكمال مشروعه الموسيقي.

الحفلة الأولى لإطلاق ألبوم «جسور» ستكون في باريس يوم 22 أيلول في قاعة Studio de L'érmitage


انسيرت:
عوده يذكرنا مثلاً بـ «قنطرة» سيمون شاهين
---
كلام الصورة:
يقدم عيسى مراد الموسيقى العربية والهندية والجاز في قطعة واحدة (كريستيان بيرتييه)