بغداد | بعدما أطلق مثقفون عراقيون «صالون البصرة» للثقافة والفنون في شباط (فبراير) الماضي، شهدت مدينة البصرة أخيراً إطلاق شارع «الفراهيدي». الشارع الذي افتتح أخيراً في منطقة العباسيّة، هو ثاني الشوارع الثقافيّة في العراق، بعد «المتنبي» في بغداد (بين شارع الرشيد ونهر دجلة)، الذي صارت جمعته طقساً ثابتاً ومحطّة للقاء كتّاب ومثقفين وصحافيّين، كما بات مناسبة لكي يستنشق المنفيّ الزائر لوطنه رائحة أخرى لمدينته الأمّ التي أتعبتها تقلّبات السياسة ومكائدها.
المبادرة الجديدة يقف خلفها فريق «انجاز». وهي نتيجة عمل ثلاثة أشهر أنجزه التجمّع الشبابيّ التطوّعي، بموافقة مجلس المحافظة هناك. أما اختيار اسم الفراهيدي فجاء نسبة إلى واضع علم العروض، العالم البصريّ الخليل بن أحمد الفراهيدي (718- 786)، مثلما كان ابو الطيب المتنبي اسماً للشارع المماثل في بغداد.

رُشّحت المدينة لتكون
عاصمة للثقافة العربية
لعام 2018

ونذكّر بأنّ تجربة شارع المتنبي في العاصمة، أصبحت من الظواهر البارزة في الحياة الثقافيّة العراقيّة بعد عام 2003، لما امتلكتها من خصوصية جعلت من الطقس الأسبوعيّ، مناسبة للقاء وحراك يتجاوز النخبة المشتغلة في فنون الكتابة الإبداعيّة وغيرها. هكذا أصبح منذ عامين تقريباً مزاراً لعائلات ولشباب همّهم المجيء إلى الشارع لتجديد الصلة بمكان يجدون فيها فضاء آخر لا يتوافر في مساحة ثانية من مدينتهم. وربّما يأتي أحدهم لالتقاط صورة فقط بجوار تمثال «المتنبي»، وهو ما يطمح فريق «انجاز» إلى تعزيزه في الشارع البصريّ بتفاعل المجتمع مع الثقافة أكثر.
ويبدو أنّ البصريّين في هذه المحاولة يريدون التأسيس للتواصل الحرّ في مدينتهم، التي كانت من حواضر العراق، وصارت اليوم مكاناً مقهوراً لم يستفد من توالي الحكومات ولا من شعاراتها البرّاقة والكاذبة، ولا من الثروات التي تزخر بها أرضها. المهم في المبادرة الجديدة، أنّها تريد طقسنة الفعل الثقافيّ في المدينة أكثر، بجعله مناسبة أسبوعيّة كما فعلت بغداد.
وهذا مهم لاستمرار المبادرة التي يتوقع نجاحها، بخلاف مبادرات مشابهة أعلنتها محافظات أخرى، بابل مثلاً، لكنّها سرعان ما انطفأت سريعاً من دون معرفة الأسباب، ولعلّ القدرة على المطاولة أحد هذه العوامل. توقعات النجاح ترتبط حتماً بحجم الثقل الثقافيّ والأدبيّ الذي تمتلكه البصرة واكتسبته على مدى سنوات عديدة، منها خروج كبار من الأدباء والشعراء مثل الأصمعي والجاحظ. هذا ما دفع الحكومة العراقية إلى ترشيحها لتكون عاصمة للثقافة العربية عام 2018. وإلى جانب العائلات الأدباء والشباب، كان كتبيو البصرة المعروفون في مقدّمة الحاضرين نهار الجمعة إلى شارع «الفراهيدي»، حيث افترشوا أرصفة الشارع بكتبهم، مانحين الحدث زخمه وقيمته.