الحوار الثلاثي الذي أجراه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع «الأهرام» و«الاخبار» و«الجمهورية»، أبرز ثلاث صحف حكومية في المحروسة، يحمل العديد من الملاحظات التي يتعلق معظمها بملابسات وظروف إجراء الحوار، أكثر من مضمون الحوار نفسه الذي ينشر على مرحلتين، أمس واليوم. بداية إنّها المرة الثانية التي يحاور فيها الرئيس المصري صحفاً محلية منذ توليه الرئاسة في مطلع حزيران (يونيو) 2014، بل إنّ السيسي خاصم طويلاً الشاشات المصرية قبل أن يكسر هذا الخصام قبل أيام من حلول رمضان 2016 عندما منح الإعلامي أسامة كمال في قناة «القاهرة والناس»، حواراً هو الأول من نوعه مع إعلامي مصري منذ توليه سدة الحكم. لكن القناة التي ينتمي إليها كمال، لم تنفرد بالحوار، بل إنّ كل القنوات المصرية والخاصة بثته في التوقيت نفسه.
وصف مناهضوه ما جاء في الحوار بـ «العناوين الاستهلاكية»
لا يعرف الإعلام المصري المحلي تعبير «الانفراد» في ما يتعلق برئيس الجمهورية تحديداً. ربما هذا ما يفسر قبول الصحف الثلاث الكبرى نشر التصريحات نفسها، وفي التوقيت عينه، بل ترتيب الأسئلة نفسه تقريباً. وربما أيضاً هذا ما يبرر سبب محاورة الرئيس ثلاثة صحافيين دفعة واحدة، إذ يصعب على الرئاسة هنا أن تفضل «الأهرام» على «الأخبار»، أو أن تمنح «الجمهورية» ما لا توفره للجريدتين الأقدم منها من حيث تاريخ الصدور. في الوقت نفسه، ما كان ممكناً لأي من الصحافيين الثلاثة أن يشترط مقابلة الرئيس بمفرده، فذلك لن يتحقق حتماً. محمد عبد الهادي علام رئيس تحرير «الأهرام»، وياسر رزق رئيس تحرير «الأخبار»، وفهمي عنبة رئيس تحرير «الجمهورية»، قابلوا الرئيس لمدة تزيد عن سبع ساعات بحضور مدير مكتبه اللواء عباس كامل، والمتحدث الإعلامي لرئاسة الجمهورية السفير علاء يوسف. نُشر الجزء الأول من الحوار في صحف أمس، فيما الجزء الثاني صدر في صحف اليوم الثلاثاء. توقيت الحوار جاء ليؤكد على حاجة السيسي إلى مخاطبة الشعب المصري عبر تصريحات رسمية، لا خطب ارتجالية اعتاد عليها في افتتاح المشاريع التنموية الجديدة. هذه الخطب تحمل الكثير من الآمال والطموحات التي قال الرئيس إنّه يريد أن يحققها خلال فترة رئاسته الأولى. لكن الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها المحروسة وارتفاع أسعار كل السلع تقريباً، والقيود الحكومية على بيع وشراء الدولار، عوامل زادت من حالة الإحباط التي يشعر بها المواطنون، وفقدان الصبر في تحقيق الرخاء في القريب العاجل. يضاف إلى ما سبق أزمة «تيران وصنافير» الأبرز هذا العام التي ما زالت آثارها مستمرة حتى الآن. ما سبق ربما يفسر قول السيسي للصحافيين الثلاثة: «حين يشعر المقاتل بأنّ شعبه مل منه، فإنه لا يعود للقتال». وهنا طلب السيسي من المصريين عدم التوقف عن دعمه ومساندته في المعركة الكبرى التي تخوضها مصر منذ ظهوره على الساحة السياسية. الحوار الثلاثي تضمن بعض العناوين التي رآها مؤيدو الرئيس مهمة، فيما وصفها مناهضوه بـ «الاستهلاكية»، منها على سبيل المثال «مياه النيل ستظل تتدفق إلى مصر.. والجميع يعي ذلك»، و«القرار المصري «مستقل» ولا أحد يملي علينا غير ما نراه»، و«لا يمكن اختزال العلاقة مع دول الخليج بمجرد الدعم المقدم منها لمصر». رسائل كثيرة إذن حملها الحوار الاول من نوعه للرئيس المصري، لكن التحقق من وصولها إلى المرسل إليه أمر يحتاج للمزيد من الوقت.