في فيلمه القصير Nocturne in black (2016 ــــ 23 دقيقة ــ كتابة وإخراج جيمي كيروز) الذي وصل إلى الترشيحات النهائية لجوائز الأوسكار المخصصة للطلاب، يصوّر المخرج اللبناني جيمي كيروز قصة عازف بيانو يعيش في سوريا تحت حكم الجماعات الإرهابية الإسلامية المتطرفة كما عرفها المخرج في بداية الشريط. أين في سوريا تحديداً، ليس ذلك واضحاً، فلا يبدو المخرج مهتماً بتوضيح تفاصيل المكان أو إعطاء معلومات أخرى قد توثق ما يجري بشكل دقيق على أرض الواقع. ما يعنيه أكثر هي قصة البيانو بحد ذاته بمعناه ورمزيته وسط كل هذا الدمار. العازف كريم يحلم بأن يجد مشترياً للبيانو كي يتمكن من مغادرة سوريا واللجوء إلى بلد آخر.
الحوار مقتضب لكنه معبّر من دون استفاضة في التحليل والشرح
إلا أنّ أحلامه تصبح مهددة كما حياته، حين يعثر قائد التنظيم الإسلامي المتطرف على البيانو. بعد إنكار العازف والمقيمين في المكان أي صلة لهم بهذه الأداة «الشيطانية» الذين يستخدمونها كطاولة فقط كما يدّعون، يصبّ المسلح غضبه على البيانو، ويرديه قتيلاً فيما تسقط الأحرف الموسيقية الواحدة تلو الأخرى في إحدى اللقطات المعبرة في الشريط. لاحقاً، يحاول أحد الأطفال إقناع كريم بإصلاح البيانو وإعادته إلى الحياة. يبوح له بمكان البيانو الآخر الذي عثر عليه في أحد المنازل المهجورة، في مقابل وعد كريم بإعطائه دروساً في العزف على هذه الآلة. يستعير كريم القطع من البيانو الآخر الذي عثر عليه كي يصلح البيانو الخاص به، وفي نيته أن يبيعه ويرحل، بالرغم من خيبة الطفل الذي نكث بوعده له بتعليمه البيانو. يعود قائد التنظيم ليجد الطفل يلعب على البيانو فيرديه قتيلاً. على إثر ذلك، يتراجع كريم عن قراره بالرحيل، ويجر البيانو إلى وسط الشارع حيث يجلس ليعزف، فيما يتجمّع الناس حوله في انتظار المواجهة التي ربما ستكون الأخيرة. إيقاع الفيلم يواكب أسلوب التشويق في مشاهد القتال ويتقاطع مع إيقاع أكثر هدوءاً في لقطات أخرى. يرصد المخرج اللبناني المقيم في نيويورك، إيقاع الحياة الساكن والمقلق، مصوّراً مدينة تقترب من نهاية العالم، حيث كل تحرك للشخصيات ضمن هذه الأمكنة، يبدو رمزياً أشبه بتحركات ممثل على خشبة المسرح، ويعكس باستمرار التواتر بين إيقاع الحياة والموت. كذلك، يوظف كيروز تلك الجمالية ضمن لغته السينمائية، كما الأبنية المدمرة والشقق المهجورة التي تهاوت حيطانها الخارجية، فبات الخاص مشاعاً، كما نرى في رحلة كريم في المبنى المهجور بحثاً عن البيانو. الحوار مقتضب لكنه معبّر من دون استفاضة في التحليل والشرح. لكن هناك تفاصيل غير دقيقة تماماً قد تستوقف المشاهد العربي خاصة على سبيل المثال لهجة الممثلين اللبنانيين غير الواضحة، وهي خليط بين اللهجة اللبنانية والسورية. وفي أحيان أخرى هي بحت لبنانية كما في أداء الطفل الذي يؤدي شخصية الطفل السوري. وهناك تفصيل آخر مثلاً حين نرى التنظيم الإسلامي المتطرف يحرّم الموسيقى في الفيلم، لكن للغرابة لا يفرض الحجاب على النساء.