موزار الليلة في «الأنطونية»

  • 0
  • ض
  • ض

فوَّت محبّو الموسيقى الكلاسيكية، وتحديداً المهتمّين الأداء وليس بالأعمال فحسب، أمسيةً يمكن تسجيلها بأحرف نافرة في لائحة الأمسيات الخاصة بالبيانو المنفرِد في لبنان. أمّا مَن تسنّى له حضور ريسيتال عازف البيانو الروسي ديمتري ماسلييف (فائز بالمرتبة الأولى في «مسابقة تشايكوفسكي 2015») فسيفاخر بعد سنوات قليلة بأنّه حظي بفرصة سماع مَن قد يصبح من رموز المدرسة الروسية، وارثاً كيفغيني كيسين وبوريس بيريزوفسكي ونيقولاي لوغانسكي، الذين ورثَوا بدورهم لازار بُرْمان وسفياتوسلاف ريختر وإميل غيللز وفلاديمير هوروفيترز وغيرهم. لا شك في أن بلوغ هذا الموسيقي الشاب مرتبة عالمية ومكانة تاريخية في المستقبلَين القريب والبعيد على التوالي، مسألةً شبه مؤكدة. هذا لا يمنع من أن ماسلييف لم يثبت نفسه بعد في ريبرتوار شامل. نشرح: الرجل قدّم برنامجاً رومنطيقياً بامتياز، وأثبت أنّ لديه شيئاً يقوله في أعمال هذه الحقبة، بل لديه أيضاً ما يضيفه على الديسكوغرافيا الكلاسيكية في القادم من السنين. لكن الأمسية استُهِلَّت بسوناتة لأبي الحقبة الكلاسيكية، هايدن (1732 - 1809)، وقد أعطاها ماسلييف حقّها، لكن ليس أكثر. هذا له دلالات في مجال العزف على البيانو، أولاها أنه ربما لا يرتاح بعد إلى موزار، وأكثر منه إلى باخ. قد نسمع منه أداءً استثنائياً لعملٍ لبيتهوفن أو لشوبان أو لبرامز، لكن موزار يشكّل عالماً مختلفاً عن سائر المؤلفين تقريباً، وباخ مختلف عن الجميع من دون استثناء. فحتى أساطير البيانو سقطوا في امتحان موزار (ريختر مثلاً، وهذا أمرٌ يعترف به هو) أو تحاشوا باخ (هوروفيتز مثلاً، فتسجيلاته في هذه المجال شبه معدومة كمّاً). باختصار، البراعة الخارقة في العزف تشكّل نقطة قوّة أساسية لدى الموسيقي، لكنها، للمفارقة، ليست شرطاً أكيداً للأداء الجيد. أتت هذه الأمسية التي استضافتها «الجامعة الأميركية في بيروت» في 24 الشهر الماضي ضمن «موسم موسيقى الحُجرة» الذي تنظمّه «الجامعة الأنطونية». هذا المساء، تضرب «الأنطونية» موعداً آخر في إطار «موسمها» الخاص بالموسيقى الكلاسيكية الغربية. لكن، إن شكَّلَت مكانة العازف الروسي عنوان ريسيتال البيانو، فعنوان الليلة المرتقبة هو البرنامج. الموسيقيون المدعوّون لتقديم الأمسية ليسوا من الأسماء الكبيرة المكرَّسة أو على درب التكريس، وهذا لا يتعارض مع مستوى أدائهم المحتمل. لكن الأعمال التي سنسمعها، وجميعها لموزار، تنتمي إلى فئة الروائع التاريخية. البداية مع افتتاحية أوبرا «الناي السحري»، العمل ما قبل الأخير كرونولوجياً في ريبرتوار موزار (فئة الأوبرا وتوابعها)، والأول قيمةً وجمالاً. تختصر هذه الافتتاحية الأوركسترالية مجمَل أحاسيس موزار المضطربة. فيها يرقص ويغضب ويحزن ويطير ويضحك ويتهكّم. وفيها يضع قلبه عارياً أمام العالم قبيل رحيله. إليها تضاف السمفونية الأخيرة (رقم 41) التي كتبها المؤلف النمساوي، وهي تنتمي إلى الثلاثية (39، 40 و41) التي ختم بها الرجل إبداعاته في فئة السمفونية، قبل أن يهجر نهائياً هذا النوع من الكتابة الموسيقية، في صيف 1788. ولا نغامر في القول إنها تحوي أجمل وأغنى وأعمق حركة بطيئة في ريبرتوار موزار السيمفوني. في الوسط بين «الناي» والـ«41»، تشهد الأمسية عملاً غير مألوف. إنه الكونشرتو السابع للكمان والأوركسترا. السابع؟! نعم. إنه من النوادر الجميلة ولو أنّ عرش هذه الفئة يحتلّه الكونشرتو الخامس في حين يذهب منصب وليّ العرش للثالث. يشكّل هذا العمل حالة خاصّة. معظم عازفي الكمان الذين يسجّلون الأعمال الكاملة للكمان والأوركسترا، يكتفون بالكونشرتوهات الخمسة التي كتبها موزار، إذ لا يزال الشك قائماً حول حقيقة أن يكون الرقم 7 للمؤلف الكبير أو لآخَر مجهول الهوية. الأعمال الضائعة لملاك سالزبورغ كثيرة، ونسمع من فترة إلى أخرى بمدوّنات موسيقية تُنسَب له مبدئياً، أحياناً يُثبَث لاحقاً أنها فعلاً من تأليفه (يحدّد ذلك خبراء بنوعية الورق وخط اليد وغيرها من المعايير التي تقطع الشك باليقين) وأحياناً أخرى تبقى صحّتها «معلّقة»، تماماً مثل العمل الذي نسمعه الليلة. الأمسية هذه تستضيفها «الأنطونية» عند الثامنة مساءً، ويتولّى فيها سيمون برنارديني العزف على الكمان. الرجل مغمور صحيح، لكن من المهمّ الإشارة إلى أنه من أعضاء «أوركسترا برلين»، وهذا كافٍ لكي ندرك أننا أمام موسيقيّ استثنائي. أما الأوركسترا فهي إيطالية (Giovanile Mediterranea)، ويقودها ألبيرتو مانياتشي. من جهة ثانية، الليلة أيضاً وفي الساعة ذاتها، يصل مهرجان «بيروت ترنّم» إلى محطّته الرابعة، مع أمسية عازف الـHarp الفرنسي البارع كزافييه دو ميتر. أمسية موسيقى كلاسيكية في «الجامعة الأنطونية» (بعبدا)»: 20:00 مساء اليوم

0 تعليق

التعليقات