رضا حسحس... «ماتيس» الشرق

  • 0
  • ض
  • ض

كان هذا التشكيلي المخضرم علامة مفردة في المحترف السوري لجهة الرهافة اللونية التي صبغت أعماله، فقد اعتنى برسم الطبيعة من منظور مختلف، مستفيداً من مخزونه البصري خلال تجواله الدائم بين أنحاء العالم

غيّب الموت فجر أمس في مدينة مانهايم الألمانية رضا حسحس (1939- 2016). وكان هذا التشكيلي المخضرم علامة مفردة في المحترف السوري لجهة الرهافة اللونية التي صبغت أعماله، فقد اعتنى برسم الطبيعة من منظور مختلف، مستفيداً من مخزونه البصري خلال تجواله الدائم بين أنحاء العالم. ولكن المنظر الخلوي هنا رغم واقعيته، فإنه يذهب إلى أقصى حدود التجريب في مزيج مدهش ما بين إشراقات اللون المحلّي والغنائية التعبيرية المحمولة على رحابة البصر والبصيرة، متكئاً على واقعية بلا ضفاف في تكويناته المشهدية المتفجّرة بقصد «تحرير المتعة».

«ماتيس» شرقي بامتياز في وحشيته اللونية المبهجة، وخبرة تقنية عالية قادته إلى انعطافات حادة، من دون أن يفقد بوصلته الشخصية في امتصاص جمال الطبيعة وتجلياتها اللونية المختلفة محليّاً وعالمياً بوصفها مرجعاً للون، هو الذي لم يأنس إلى جغرافيا محدّدة، من رومانيا وألمانيا إلى إيران. انتسب رضا حسحس إلى كلية الفنون الجميلة في دمشق، مطلع الستينيات من القرن المنصرم، ثم أوفد إلى «مدرسة الفنون الزخرفية» في مدينة «أوسون» الفرنسية، متخصصاً في فن السجاد الجداري، واستكمل دراسته في بلغاريا للتدرّب على تصميم السجّاد، ثم عاد إلى دمشق مدرّساً لمادة الرسم في كليتي الفنون الجميلة والعمارة، ومادة علم الجمال في المعهد العالي للفنون المسرحية. في الثمانينيات، انتقل إلى الولايات المتحدة الأميركية مدرّساً في جامعة كنساس.


أقام معرضه الأول «رسوم من الفرات»
عام 1968

وقّع معرضه الأول «رسوم من الفرات» (1968)، ثم أقام في قرية «صدد» في بادية الشام لينجز معرضه الثاني «رسوم وثائقية لقرية سورية» (1976)، قبل أن يلتفت إلى تأليف المنظر الخلوي في معارض متتالية، تبرز حساسيته المفرطة في بناء عمارة إيقاعية مختزلة ومشغولة بعناية وعاطفة متأججة باضطراد كخلاصة لخبرته التقنية والحسيّة والفكرية.
عمل التشكيلي الراحل في حقولٍ فنية مجاورة، إذ قام بتصميم المناظر لأكثر من فيلم سينمائي سوري مثل «أحلام المدينة»، و«الليل» لمحمد ملص، و«وقائع العام المقبل» لسمير ذكرى، و«نجوم النهار» لأسامة محمد. كما ترجم كتباً مهمة مثل «زيارة ماتيس الأولى والثانية إلى المغرب» لألفرد بار، و«طرق في الرؤية» لجون برجر، و«تقنيات الرسم» لفريد غيتنغز.
لا نعلم ما المشهد الأخير الذي طبع ذاكرته، بعدما أُصيب بالزهايمر في سنواته الأخيرة، وهل ذهب إلى العالم الآخر بقماشة بيضاء من «الجمال المحض»؟

0 تعليق

التعليقات