سيرة استثنائية... لفيلم عادي

  • 0
  • ض
  • ض

في «دولة جونز الحرة»، يصوّر غاري روس سيرة نيوتن نايت (ماثيو ماك - كونهي) من مقاطعة جونز في المسيسيبي. في أثناء الحرب الأهلية الأميركية (١٨٦١ - ١٨٦٥)، أنشأ نايت ولاية مستقلة محررة، تجمع الجنود البيض الهاربين من الجيش والأفارقة الهاربين من العبودية. رغم السيرة الاستثنائية لشخصية نايت التي يصورها الشريط، إلا أنه في تناوله لموضوع العبودية ونضال السود في أميركا، يبدو متواضعاً لو قارناه بأفلام أخرى صدرت في السنوات الماضية كـ «12 عاماً من العبودية» لستيف ماكوين أو «دجانغو الطليق» لتارنتينو. يُفترض أنّ الفيلم يدور بين زمنين: الحرب الأهلية الأميركية، وبعدها بنحو ثمانين عاماً حين نتابع محاكمة أحد أبناء أحفاد نايت الذي أنجبه من حبيبته الأفريقية. يحاكم الحفيد لزواجه بامرأة بيضاء، لأنه بحسب الادعاء يحمل جينات من العرق الأسود، رغم بشرته البيضاء ظاهرياً، والزواج المختلط بين البيض والسود كان ممنوعاً في حينها. ذلك العنصر من الحبكة الروائية يخرج عن الاعتيادية، وذلك يخرج الفيلم من خط إيقاعه السردي الأفقي الذي لا يخلو من الرتابة في بعض المقاطع. لكن المحاكمة التي صورها المخرج ضمن مشاهد مقتضبة لا تدخلنا إلى قلب الشخصيات والأحداث، بل تبدو كعنصر غير مكتمل في الحبكة. يجمع الفيلم الكثير من الشخصيات والأحداث بالإضافة إلى نايت، ويصوّر حيواتها على مدى حقبة ضمن تغيرات الأوضاع السياسية في أميركا، وانتهاء الحرب الأهلية، وإعلان إلغاء العبودية، ليس إلا لتستبدل بصيغة أخرى أكثر ديبلوماسية، ألا وهي إجبار الأفارقة السود على العمل مجدداً في حقول القطن مجاناً تحت مفهوم التمهن الإجباري. أيضاً، يصور الفيلم لاحقاً نشوء جماعة «كوكلاس كلان»، وقتلهم للسود، ومنعهم من ممارسة حقهم بحسب القانون كالتصويت. من الثيمات الأساسية في الفيلم علاقة الحب بين نايت والأفريقية راشيل (الممثلة غوغو مباثا رو) التي تعمل في منزل أحد الملاكين البيض الذي كان يغتصبها. العلاقة بين نايت وراشيل تستمر رغم عنصرية المجتمع والقانون الذي لا يسمح بزواجهما. لكن قد تبدو مشكلة الفيلم في كثرة شخصياته وأحداثه والثيمات الذي يتناولها. كلها على الدرجة نفسها من الأهمية في الفيلم، يدرجها المخرج ضمن الإيقاع الدرامي الموحد نفسه، فلا يبرز أي منها بشكل خاص. أيضاً، ما هو قابل للجدل، الزاوية التي ينطلق منها الفيلم لمعالجة موضوع العبودية والعنصرية، من خلال المبالغة في التركيز على بطولة نايت الرجل الأبيض الذي يقع على عاتقه بحسب الفيلم تحرير السود من العبودية، من دون أن يصوّر المخرج صراع الأفارقة في المقابل لتحرير أنفسهم بالثقل الدرامي نفسي، رغم أنّ الفيلم يستند إلى سيرة حقيقية. كذلك، تميل الحوارات أحياناً إلى شيء من الخفة التي قد لا تتلاءم مع الثيمات المتناولة كجملة نايت المتكررة التي يعيدها في خطاباته «كلنا زنوج»، ويقصد بنظر الطبقة الحاكمة المسيطرة من الملاكين البيض. إذا كان السود يُستَعبَدون في الحقول، فالفقراء من البيض أيضاً كانوا يرسلون ليقتلوا في حروب الأغنياء وتنهب أيضاً محاصيلهم المتواضعة لتمويل تلك الحروب. ولو أنّ المفاهيم التي يعرضها الفيلم ليست بسيطة فعلياً، وأكثر تشابكاً، فالحوارات لا تفيها حقها في بعض المقاطع.

0 تعليق

التعليقات