يؤدي معظم الممثلين أدوارهم بإتقان، فيما يبرز آخرون في شخصياتهم «الحقيقية»يتناول المسلسل العاصمة اللبنانية بطريقةٍ مختلفةٍ عن المعتاد، تجعل الكل مشاركاً في الحدث. على سبيل المثال، نشاهد أشخاصاً هواة مشاركين في المسلسل، وهم ليسوا بممثلين، مثل الناشط عطالله السليم الذي يتألق في دوره الحقيقي كناشط ضمن الحراك المدني (والذي يقاربه المسلسل بشكلٍ أو بآخر)، إضافة إلى ربيع الزهر الذي يعاود مشاركته في المسلسل بعدما كان قد شارك في الجزء الأوّل. ربيع صاحب الصوت الجميل، يعطي المسلسل بعداً جمالياً كبيراً من خلال طريقته الخاصة في الأداء. الرافد الأكبر في العمل هو مشاركة القدير زياد أبوعبسي، الذي أضفى الكثير من «الشأنية» على المسلسل. فشخصية المفكر الغاضب والثائر والشكاك في كل شيء جعلته سمةً من سمات هذا العمل في حد ذاته، فانتظار المشاهد لما ستقوله هذه الشخصية كلّما أطلت هو دليل على أهمية هذا الدور الذي «لبسه» لبساً، كما يؤكد فادي ناصر الدين.
مصطفى الصوص (اللحام) ووليد جويدي (صاحب محل التليفونات) بدورهما يكملان دوريهما من الجزء الأوّل، واللافت أنهما «لا يمثّلان» بل هما «يلعبان» شخصياتهما «الحقيقية». في هذا السياق، يوضح فادي أنّه أخذهما «من الواقع كما هما، ولم أطلب منهما إلا أن يكونا على حقيقتهما داخل المسلسل». من جهته، يؤدي رودريغ سليمان جيّداً في دور صديق البطل الصحافي والمثقف الذي يسكن المقهى. الأداء الجيد ينسحب على طارق تميم في دور «توأم» شخصيّته التي أداها في الجزء الأول والتي توفت.
نسائياً، تحضر ديامون بو عبود بقوّة، مظهرةً قدراتها التمثيلية من خلال شخصية متأرجحة تبحث عن نفسها، وينتهي بها الحال في هذا الجزء كمذيعة ومقدّمة برامج. الحضور القوي نفسه ينسحب على يارا أبو حيدر، وعلى الفنانة التشكيلية وعد الشيخ قويدر التي تؤدي دور الفنانة والنازحة السورية التي يُسكنها «طلال» مع زوجها (الممثل المسرحي السوري حسام شرواني) وابنتها ذات السنوات الخمس (أميرة) ضمن بيته (في قريته)، ونظل نشاهدها ترسم طوال حلقات المسلسل ما يخلق نوعاً من البعد «الدرامي» بينها وبين «طلال» الشاعر الذي تتحرك «شاعريته» و«مشاعره» تجاهها.
في الإطار عينه، لا يمكن نسيان الإطلالة المميزة للفنان القدير غاساروس التونيان، المعروف من خلال مشاركاته في مسرحيات زياد الرحباني في سبعينيات القرن الماضي بدور الأرمني «ستيريو».
إخراجياً، يجهد فادي ناصرالدين في تقديم «فيلم» أكثر من «مسلسل»، إذ تبدو الكادرات التي يستعملها أقرب إلى فيلمٍ مقسّم على ثلاثين حلقة، الأمر الذي يعزوه صاحب العمل إلى فكرة أنّ «جميع العاملين أو غالبيتهم على الأقل يعملون في المجال السينمائي، وليس التلفزيوني. لذلك قد تجد العمل أقرب إلى السينما منه إلى التلفزيون». هذه اللمسة الجمالية الخاصة، تجعل المشاهد بانتظار اللحظات التالية من المسلسل لأنّ الكاميرا تتحرك تبعاً لما يحتاجه المشهد درامياً وليس فقط بحسب متطلبات التلفزيون الذي يميل للمشاهد «الروتينية» المحدودة.
في الإطار عينه، تبرز نقطة قوية للغاية في المسلسل وهي النص الذي كتبه ناصرالدين مسبوكاً بعناية شديدة، ولربّما هو واحد من النصوص القليلة هذا العام التي تحاول قدر الإمكان الاقتراب من «المُعاش» و«اليومي» بعيداً عن «البيك» و«الباشا» وقصص الغرام المستهلكة ضمن الإطار التلفزيوني اللبناني المعهود. النص الجيّد، والإدارة الجيّدة للعمل يعكسان فكرة وإيمان ناصرالدين بأنَّ «الممثل اللبناني جيّد ويمكن أن يعطي الأفضل إذا ما أدير بشكلٍ جيّد وأُعطي نصاً مناسباً».
* «بيروت واو»: يومياً ــ الساعة السابعة والنصف مساءً على قناة «العربي».