في 2014، غامر المنتج السوري هلال أرناؤوط بنص سوري خالص يحكي عن معتقلي الرأي في الشام، ودفع ثمن خطوته بأن مسلسله «قلم حمرة» (تأليف يم مشهدي وإخراج حاتم علي) لم يسوّق ولم تعرضه حينها إلا قناة «السومرية». مع ذلك، حصد جماهيرية وقبولاً نقدياً، بخاصة في حلقاته العشر الأولى. يومها، أدت النجمة السورية سلافة معمار دوراً هاماً عبر شخصية «ورد» الكاتبة التي تعتقلها المخابرات على خلفية سياسية. لفتت خريجة «المعهد العالي للفنون المسرحية» كل من شاهدها، رغم ضيق الفضاء الذي اشتغلت فيه، وسط زنزانة صغيرة، إضافة إلى نخبوية النص ووقوعه في مطّب التنظير والثرثرة الزائدة. فتحت نجمة «زمن العار» مساحات رحبة، وفضاءات مختلفة، من خلال اقتراحها التمثيلي على الشخصية وتقديمها بواقعية غير مسبوقة، بخاصة أنّ المسلسل قدّم مقاربة ذكية، للتغيرات الفيزيولوجية التي يتعرض لها جسم المرأة، والتقط ببراعة حساب المعتقلة للزمن بالاتكاء على دورتها الشهرية. حينها، أطبقت معمار بوجهها المتورّم وجسدها المحشور في زاوية رديئة وقذرة، وثيابها المتسخة، على المشهد الواقعي للاعتقال الاستبدادي بحيثياته الموجعة التي تنافي جميع حقوق الإنسان، وتركت خلفها اجتهاداً على مستوى الأداء، وثقافة عميقة في قراءة الشخصية من الداخل أولاً، قبل أن تلخّص لمحات عامة عايشها ملايين السوريين والشعوب المستضعفة. هذا العام، تعود فرضية السجينة في مسلسل «جريمة شغف» (نور شيشكلي ووليد ناصيف) لكن على طريقة الدراما المشتركة المعقّمة التي يقودها أبطال من ورق! النجمة اللبنانية نادين الراسي تؤدي دور متهمة تقبع في السجن، لكن أكثر ما تحرص عليه هو عنايتها بالبشرة وتسريحة الشعر والإطلالة الأنيقة! كأننا في معتقل 5 نجوم، عدا عن الافتعال والصراخ واعتماد الأداء الخارجي رغم مجافاته مفردات التمثيل بمفهومه الحديث. تغيب كلياً عن ملامح الراسي أي محاولة جادة للبحث السيكولوجي في خلفيات الشخصية التي تؤديها، بغية خلق ردود أفعال خاصة تواكب حالة الظلم التي تعيشها، والوحشة التي تحاصرها، كونها متهمة بالقتل، تمضي وقتها في زنزانة واحدة مع سيدة تبدو عليها علامات الاختلال النفسي. هكذا، لا يصلنا سوى الحالة الشكلانية الساذجة للشخصية، التي يفترض أنها تعاني وطأة حادثة ساحقة! كل ذلك في كفّة، واللعب على الفرضية ذاتها التي قدّمتها معمار يوم جسّدت شخصية ورد في كفّة ثانية! تنتحب الراسي في «جريمة شغف» على طريقة استجداء التعاطف من دون إمكانية أن تحظى به. والسبب في ذلك آلام الدورة الشهرية، فيما نلمح يدها غارقة في الدماء. هذا التشابه المشروع مع «قلم حمرة» أحالنا إلى مقارنة حقيقية بين النجمتين سلافة معمار ونادين الراسي، فإذا بنا نستعيد أداء الأولى بذاكرة محبة، لما بذلته من جهد واضح على الدور، ونستشعر في أداء الثانية الاستعراضي غربة عن الواقع، ونحن نشاهد سجينة سويسرية ظهرت فجأة في معتقلات لبنان «كموديل» أو ربما مندوبة عن جمعيات تعنى بالحالة الإنسانية للمساجين وقررت أن تصوّر إعلاناً ترويجياً!
*«جريمة شغف»: يومياً ــ 21:30 على «الجديد»