لعله الطعم الأسهل للإعلام المحلي في إستثمار الحدث واللعب بمفاصله كي يغدو قنبلة قابلة للإشتعال. الإعلام اللبناني الذي يبدو أنّ طاقمه غير مخوّل بعد لضبط عناصر الحدث وتقديمه بمهنية عالية، اعتاد في غالبيته العظمى ترك مهمته الأساسية في نقل الوقائع، والإتجاه مباشرة الى ساحة التحليل والتفكيك، غير واع لخطورة ما يتفوه به على الهواء. أول من أمس، خرج المشاهد اللبناني بالإنطباع الآتي: «حزب الله وضع عبوة بنك لبنان والمهجر إنتقاماً لسلسلة العقوبات الأميركية المالية المفروضة عليه». هكذا بسحر ساحر، يحقق الجاني هدفه، ويكون هؤلاء المراسلون أداة عبور لهذا الهدف.برغم أنّ إنفجار فردان الذي وقع في الواجهة الخلفية لـ «بنك لبنان والمهجر» لم يخلف سوى جريح واحد، الا أنه في السياسة والإعلام أفرز مشهداً جديداً توزع بين خيالات وهوامات المراسلين/ات، في الميدان، ومحاكمة علنية إفتراضية لصحافيين وزملاء، بدأت بتركيب المشهد، لنصل في نهاية المطاف الى ربط الرأي أو العمل الصحافي بالتفجير الآثم الذي هزّ بيروت ليلة الأحد.
تحليلات ونظريات ربطت الرأي أو العمل الصحافي بالتفجير الآثم الذي هزّ بيروت ليلة الأحد

في أعراف الإعلام اللبناني، فإنّ صحة وسلامة المسؤولين اللبنانيين أهم من صحة المواطنين الباقين. «وزير الداخلية نهاد المشنوق بخير وهو موجود في بيته»، عبارة سمعناها في اللحظات الأولى للإنفجار على الشاشات، بينما كان المتابع ينتظر معلومات إضافية عن التفجير ومخلّفاته، والإطمئنان إلى صحة ذويه ومعارفه في المنطقة. وأيضاً في قاموس مراسل mtv حسين خريس، فإن التفجير «وقع بتوقيت إفطار الشيعة في لبنان». بهذا التفصيل المهم، أفادنا خريس من ساحة فردان، ليزود المشاهد بالمزيد من المعلومات والتفاصيل الغافلة عنه.
على «الجديد» أيضاً، استرسلت نانسي السبع في التحليل والربط. قالت إنّ التفجير «ربما هو رسالة الى المصارف»، و Blom Bank «أكثر المصارف تشدداً في العقوبات المصرفية على حزب الله». تحليل قاطعته بشكل محترف زميلتها سمر أبو خليل في الاستديو، قائلةً «من المبكر الحديث عن رسائل»، و«لنترك الأجهزة الأمنية تعمل» و«لا نريد إفتعال أي فتنة أهلية» .أداء سمر أبو خليل النادر على شاشات التلفزة المحلية، (وليس الأول)، قطف في لحظة عالية الدقة والحساسية.
على المقلب الإفتراضي الذي يضج في لحظات ذروة كتفجير فردان، وجد بعض الصحافيين والناشطين ضالتهم في حبك روايات بوليسية وإستسهال قذف الإتهامات يميناً ويساراً. منشور للزميل حسن عليق على صفحته الفايسبوكية كتبه قبل يومين من الإنفجار، ويتحدث فيه بالمعلومة عن أنّ بنك لبنان والمهجر كان «سباقاً» بل طالباً لتطبيق العقوبات المالية الأميركية على «حزب الله»، تحوّل هذا المنشور بسحر ساحر الى منصة للإدانة وإطلاق التهم. فجأة، تحوّلت المنصات الإفتراضية الى محكمة جنائية وتداولت هذا المنشور الذي أعاد نشره موقع «الضاحية» مع إضافة في العنوان «إحذروا بنك لبنان والمهجر..». الى جانب هذا المنشور، أعيد تداول مانشيت «الأخبار» الذي خرجت به نهار السبت أي قبل يوم واحد من التفجير «حزب الله للمصارف: كفى تآمراً». تقرير كتبه الزميل عليق أيضاً، عن الإمكانات المتاحة لدى الحزب، وجمهوره للوقوف سداً في وجه ما تقوم به المصارف اللبنانية وعلى رأسها «مصرف لبنان» من إقفال لحسابات وتضييق مالي عليهم. طبعاً لم يكن المقصود هنا، وضع العبوات وتنفيذ العمليات الإرهابية في بيروت! هكذا، وعلى المنصات الإفتراضية، قدمت مشهدية إختزالية، هشّة، خطيرة، تسهّل عملية المحاكمة وإلصاق التهم جزافاً. بفعل فاعل، يتحول الرأي واستسقاء المعلومة الى مشاركة في جريمة! والمعلوم أنّ صحيفة «الأخبار» تقع مكاتبها في الجهة المقابلة تماماً للإنفجار، وكان يمكن أن يصيبها هذا التفجير أو يضر العاملين داخلها.
على هذه المنصات أيضاً، رأينا الصحافية الإستقصائية، العابرة للحدود وصولاً الى «النصرة»، كارول معلوف، تتحدث عن «شاحنة مفخخة لم توقع اي قتلى أو جرحى»، وتستهدف «مصرف لبنان والمهجر بعد إغلاقه حسابات مرتبطة بحزب الله». معلوف أعادت توازياً، نشر محتوى «موقع الضاحية» (الصفحة المراهقة على فايسبوك)، وعلّقت بأن هذا المنشور أتى فقط قبل ستّ ساعات من التفجير. منشور أعادت تغريده زميلتها الناشطة على تويتر والعاملة في قناة «المستقبل» رشا الخطيب، التي غرّدت على طريقتها اللطيفة أيضاً على الحدث: «شي بضحك، عنجد مش معقول، كيف التعرض للقطاع المصرفي بعد العقوبات الأميركية على حزب الله». كما طالعتنا مراسلة «الجديد» يمنى فواز بتغريدة أيضاً على حسابها على تويتر بتحليل معمق، خلاصته أنّ «إستهداف بنك لبنان والمهجر له دلالات عن أي إنفجار لداعش. الهدف رسالة للبنك يوم الأحد وتوقيت الإفطار واضح حرص على عدم قتل المدنيين». مطر من التحليلات انهمر علينا حتى قبل أن تصل الأجهزة الأمنية والأدلة الجنائية الى مسرح الجريمة.