صالح بركات: بيروت معقلاً للفن والتعدد

  • 0
  • ض
  • ض

أمس، أبصرت مولودة صالح بركات (1969 ــ الصورة) الجديدة النور في قلب شارع كليمنصو. هذه المرّة، تحمل الغاليري اسمه، وتتخذ من «مسرح المدينة» القديم مقرّاً لها. شرّع هذا المكان أبوابه أمام الناس أمس من خلال معرض للفنان اللبناني نبيل نحّاس (راجع المقال أدناه).

قبل يومين من الافتتاح، قصدنا «غاليري صالح بركات» في الصباح الباكر فيما كانت التحضيرات مستمرّة للحاق بالموعد المنتظر. استرقنا القليل من وقت صاحب غاليري «أجيال» للدردشة عن الخطوة التي أقدم عليها.
الوجود في «مسرح المدينة» القديم وحده كفيل بإغراق المرء في سيل من النوستالجيا. لا شكّ في أنّ الغاليري الجديدة تشبه صالح بركات إلى حدّ بعيد، في هدوئها، وبساطتها وتقشفها (تصميم المعماري اللبناني مكرم القاضي). لكن لماذا اختيار «مسرح المدينة» القديم؟ سؤال نطرحه على بركات الذي يجيب سريعاً: «قبل تحوّلها إلى مسرح، كانت «سينما كليمنصو» المكان الأوّل الذي شاهدت فيه أفلاماً غير تجارية لكبار مثل أعمال تاركوفسكي، وفليني، وبرغمان، وأنطونيوني، وغيرهم»، ويضيف: «بعد تحوّلها إلى مسرح، احتل مكانة كبيرة في المشهد الثقافي البيروتي. إلى جانب المسرحيات المهمّة، شهد مثلاً انطلاقة مهرجان «أشكال ألوان» في عاميه الأوّلين، كما «مهرجان أيلول» الذي بقي لثلاثة أعوام»، مؤكداً أنّه «عندما سمعت بوجود مشروع لتحويله إلى مستودع، انزعجت كثيراً وقرّرت أن أفعل شيئاً للإبقاء عليه كمعلم ثقافي». كذلك، أراد صالح أن يريح الناس من الزحمة التي يعانون منها في منطقة الحمرا عند توجّههم إلى «أجيال»، من دون أن يبتعد عن قلب بيروت، و«كليمنصو هو المكان المناسب للزبائن المحتملين، ولطلاب الجامعات، وللراغبين فقط في الاطلاع على الفن، فهو ليس حكراً على ميسوري الحال».


ما زال مؤمناً بمكانة بيروت رغم أنّها «لم تعد منصة تجارية»

يشدّد بركات على أنّ حجم «أجيال» مناسب جداً لمدينة مثل بيروت، لكنّه يعاني من مشكلتين لناحية المساحة وعلو السقف: «كنت أتجاوز هذا الأمر عبر استعارة فضاءات أخرى لإقامة معارض لا يمكن لـ«أجيال» احتضانها، كما في حالة الاستعادات (rétrospective) لفنانين كبار مثل سلوى روضة شقير، وشفيق عبود، وميشال بصبوص، أو في المعارض التي تتمحور حول تيمات محددة كالحرب. ومن بين الفضاءات التي كنت ألجأ إليها «مركز بيروت للفن» و«مركز بيروت للمعارض». لكن عندما أقفل الثاني أبوابه، وصار الأوّل مساحة للأعمال التجريبية، بات عليّ أن أتدبّر أمري. من هنا، أتت فكرة افتتاح غاليري جديدة».
يعتبر بركات أنّ ولادة «غاليري صالح بركات» عبارة عن «تطوّر عضوي» لـ«أجيال» التي ستبقى مستمرّة، وبرنامج أنشطتها حافل في الفترة المقبلة؛ فـ«في شهر أيّار (مايو) 1991 افتتحت «أجيال»، واليوم، في عيدها الـ25، أردت أن أقدّم لنفسي هدية مميّزة»، مشيراً إلى أنّ افتتاح الغاليري الجديدة يؤرّخ أيضاً لبلوغ تجربة نبيل نحّاس الفنية عامها الخمسين. في فضائه الجديد، سيتّبع صالح بركات النهج نفسه، مستكملاً اكتشاف فنانين جدد والرهان على «الفن اللبناني الحقيقي، مهما كان نوعه، وتسويقه وإظهاره إلى العالم»، مع المحافظة على التاريخ وتكريمه، لأنّ «المستقبل لا يمكن أن يُبنى على أساس إلغاء الماضي».
بصراحة بالغة، يقول إنّه مستعد دائماً لدعم الأعمال التجريبية وأعمال الفيديو، رغم أنّها لا تُباع: «أنا في النهاية أمثّل مؤسسة خاصة، لكن في غياب المؤسسات العامة التي يجب عليها دعم هذه الأشكال الفنية، نحاول أن نفعل كل ما بوسعنا». ويتابع: «سيضم الفضاء الجديد الأعمال التي لا يمكن لـ«أجيال» أن تستضيفها. المسألة لن تتعدى خمسة معارض سنوياً». في ظل كثرة الصعاب على مستويات عدّة، لا يزال بركات مؤمناً بمكانة بيروت رغم أنّها «لم تعد منصة تجارية». فالعاصمة اللبنانية محتفظة برأيه بدورها كمدافعة عن الهوية التعددية، وكمصدّرة للتنوّع، والانفتاح، الثقافة، والعلمانية: «أنا من هواة الأزمات. في الأوقات العصيبة، الدخلاء يهربون». ويلفت في هذا الإطار إلى أنّ «الواقع أكثر تفاؤلاً مما نتخيّل. هناك صفحات مضيئة عدّة، خصوصاً لناحية اهتمام الجامعات اللبنانية بالفن الذي يشكّل أرضية صلبة للانتقال إلى التغيير»، موضحاً أنّ الزبائن اليوم «لبنانيون بمعظمهم»، ومضيفاً أنّه «من أجل الاستمرار في حركتنا وبلوغ أهدافنا، نحن مضطرون أيضاً إلى السفر. افتتاح هذه الغاليري يأتي ضمن رؤية استراتيجية لتغيّر سوق الفن في لبنان. كأصحاب غاليريهات، نعاني أيضاً من من قلّة التسهيلات المالية والضرائبية في بلادنا».

  • (مروان طحطح)

0 تعليق

التعليقات