نشرت صحيفة «غارديان» البريطانية في شهر شباط (فبراير) من العام الفائت بياناً شديد اللهجة ضد الكيان العبري، إذ وقّع أكثر من 1000 شخصية فنية وثقافية وأكاديمية على وثيقةٍ تدين الكيان العبري وتعد بعدم المشاركة في أي نشاطٍ ثقافي أو فني أو اجتماعي يدعمه بأي شكلٍ من الأشكال، ما دام مصراً على ممارسة الاحتلال لأراضي الـ67 الفلسطينية المحتلة، والتمييز العنصري المطبّق.مع أنَّ هذا البيان لم يتطرق إلى «زوال» الدولة العبرية، ولا إلى عودة كل الأراضي الفلسطينية أو موضوع العائدين، إلا أنّه اعتبر إنجازاً كبيراً آنذاك. هذه البيانات والتحرّكات التي قامت بها العديد من الجمعيات والجامعات والنقابات، وأعضاء في البرلمان الأوروبي، مثل «جمعية دراسات الشرق الأوسط في أميركا الشمالية» (MESA)، و«الجمعية الأنثروبولوجية الأميركية» وأكثر من 30 مؤسسة وجمعية أميركية آذت الاحتلال الصهيوني كثيراً.
انتقال منطق التعامل مع مقاطعة العدو الصهيوني من مجرد فكرة إلى تطبيقٍ حقيقي وعملاني على الأرض، أدى إلى مخاوف حقيقية لدى هذا الكيان، فهو يجعله عرضةً لخسائر هائلة.

كل هذا دفعه لاحقاً إلى اعتبار «أنشطة المقاطعة» خطراً استراتيجياً، كما اعتبر جميع ناشطي المقاطعة المعروفين في الأراضي المحتلة إلى «ملاحقين» ومطلوبين بشكلٍ رسمي، ودفعه إلى إقامة «مؤتمر» (برعاية صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية المعروفة) حول هذا الموضوع تحديداً، إضافة إلى ادراج موضوع «المقاطعة» ضمن أنشطة مؤتمر «هرتزليا» (الأمني السنوي المعروف) لمناقشته وتبيان مدى تأثير المقاطعة على المدى الطويل على الكيان الاحتلالي.
في لبنان، تطلق «حملة مقاطعة داعمي «إسرائيل» في لبنان» و«اللجنة اللبنانية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل» (قاطع) اليوم الجمعة «العريضة الكبرى للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لـ «إسرائيل» في «مسرح المدينة» ضمن نشاطٍ كبير ومتنوع. وسيتخلله إطلاق «تطبيق» إلكتروني (على الهواتف الذكية بجميع أنواعها: «أندرويد» و«آبل») بغية تمكّن المعني من معرفة البضائع والمنتجات الداعمة لاسرائيل بغية مقاطعتها عبر رمز الـ QR. قد يسأل سائلٌ هنا: هل هناك في لبنان، من يرفض مقاطعة العدو الصهيوني؟ أم هل هناك مؤيدٍ لأنشطة الكيان العبري الثقافية أو الاجتماعية؟ «كثيرون يقولون ما دخل الفن والموسيقى والثقافة بالمقاومة وبالعداء للعدو الصهيوني، وبأن مجرد حضور فنان عالمي إلى لبنان هو انتصار للثقافة وللبنان، وهو أمرٌ غير صحيح البتة» يشرح لنا الكاتب والناشر سماح إدريس منسق حركة المقاطعة في لبنان الفكرة بشكلها المباشر. ويكفي أن نعلم بأنَّ حضور فنان سبق له المشاركة في «أي نشاط من شأنه خدمة توجهات الكيان العبري»، فإن هذا لا يخدم وجود الكيان فحسب، بل يجعله «مشرّعاً» أيضاً. ويشير إلى أنّه «لاحظنا، منذ فترة بأن هناك نوعاً من الحدّة في التعامل بين لجنة المقاطعة ومنظمي الحفلات والمهرجانات في لبنان، ذلك أنّهم يُحضرون من دون علمهم في مراتٍ كثيرة شخصيات فنية للمشاركة في مهرجاناتهم سبق لها التعامل مع العدو الصهيوني سواء بالمشاركة في حفلاتٍ هناك، أو بالتأييد العلني للمشروع الصهيوني والعمل لأجله أو الحصول على جوائز من الكيان العبري، أو حتى ممن غنّوا النشيد الوطني الصهيوني (هاتكفاه)، مثل لارا فابيان أو جوني هوليداي (أعلن في عام 1970 رغبته العارمة في دخول الجيش العبري).


إطلاق «تطبيق» إلكتروني يتيح معرفة البضائع والمنتجات الداعمة للاحتلال
هذا الأمر لا يعنينا نحن فحسب في لجنة المقاطعة في لبنان، بل أيضاً كـ BDS (حركة مقاطعة اسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها) التي تعتبر أن أي فنان يتعامل مع العدو الصهيوني «يبيض» صفحة الاحتلال؛ وهي فكرة حتى اللحظة لا تزال غير مقبولة في لبنان. فكثيرون يفصلون بين الفن والمقاومة» يؤكد إدريس. يكمن السؤال هنا: هل ستقبل الشركات التي تنظّم الحفلات بحضور «رقيب» فوق رأسها؟ يؤكد إدريس بأنَّ معظم الشركات قد لا تقبل بهذا النوع من الرقابة، لكن في النهاية عليهم «أن يساعدونا لأننا لا نبغي لهم غير الخير، فالمقاطعة ليست فعلاً جديداً وليست من اختراعنا. قررنا أن نزور الكثير من منظمي هذه المهرجانات وبشكلٍ فردي أحياناً، لنشرح لهم مبادئ المقاطعة، ولِمَ نقاطع، ولماذا يشكّل العزف أو إقامة أي نشاط في الكيان العبري، تبييضاً لممارسات هذا الكيان، وكيف أنَّ هذه الطريقة استخدمت سابقاً لعزل وتجفيف كيان الفصل العنصري (الأبارتهايد) في جنوب أفريقيا سابقاً. وكان عددٌ كبير من الفنانين الغربيين قد أقام وقتها حفلاتٍ كثيرةٍ في العالم تحت عنوان عام وشامل: نحن لن نشارك في تسلية الأبارتهايد (We will not entertain apartheid). نحن لا نخترع أسلوباً جديداً هنا، هذا أسلوبٌ اتبع وأثبت نجاعته في جنوب أفريقيا كما أشرت، ورغم أنَّ هناك فروقات وأوجه خلاف بين البلدين (لبنان وجنوب أفريقيا)، نحن نقدّم أنفسنا لهذه الشركات ونقول لهم: اعتبرونا موظفين بلا أجر لديكم، لمعاونتكم في تحديد المناسب من غير المناسب. لكن للأسف بعضهم يعتبرنا سلطة من نوعٍ ما».
وبالعودة إلى النشاط؛ سيتضمن البرنامج مشاركات من الفنانين مرسيل خليفة، ونضال الأشقر، وجاهدة وهبي، وشربل روحانا، وسامي حوّاط، وأميمة الخليل، وخالد العبدالله. وسيتحدث فيه بكلماتٍ مقتضبة كل من نضال الأشقر، ونصري الصايغ، وسماح ادريس والناشطة ميشال هارتمان (من حملة المقاطعة الكندية)، فضلاً عن فيديو قصير يستعرض آراء لمثقفين وإعلاميين حول موضوع المقاطعة بشكلٍ عام. بعد ذلك، سيتم توقيع العريضة وإطلاق التطبيق الذكي الذي يمكّن مستخدمه ـ بعد تحميله- من معرفة ما إذا كانت البضاعة التي ينوي شراءها ضمن البضائع الداعمة للكيان العبري. ويحدث ذلك بمجرد إدخال اسم المنتج إلى البرنامج الذي يعطي معلوماتٍ وافية، «إضافةً إلى رابط للتأكد من صحة هذه المعلومات بالوثائق والصور». في الختام، يؤكد ادريس: «ليس معيباً أن نحصّن المجتمع، وهذا جزء أساسي من المقاومة، ولا يكفي أن تكون المقاومة مسلّحة كي تنجح وتفوز. عليها أن تمارس شأناً ثقافية عبر سلاح المقاطعة، حيث يشارك الجميع فيه، وهي ليست إرهاباً ثقافياً، فإسرائيل هي التي تمارس إرهاباً ثقافياً يمنعنا من ممارسة حياتنا بشكلٍ طبيعي وعادي».
«العريضة الكبرى للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لـ «اسرائيل»: 19:00 مساء اليوم ــ «مسرح المدينة» الحمرا)