تعود «جمعية نواة للموهبة والابتكار» لتنظيم مسابقتها المهرجانية السنوية للمرة الرابعة للأفكار الإبداعية عن المقاومة. الجمعية التي أنشأها طلابٌ متطوعون «مؤمنون بمشروع المقاومة» على حد تعبيرهم؛ تريد من المشروع أن يقدّم كلُّ انسان إبداعه حسبما يقدر، فيقدّم المهندس مشروعاً يخدم المقاومة، بينما يقدّم المصمم الغرافيكي عملاً فنياً جمالياً، وهكذا. النشاط الذي بدأ صغيراً مع 25 طالباً، اتسع في عام 2014 إلى 200 مشارك/ متسابق، ليتطور إلى 300 في العام اللاحق، فيما يقترب هذا العام من مئته الخامسة. لم يشمل الاتساع العدد فحسب، بل الجغرافيا أيضاً. بعدما كان المشاركون من جامعة واحدة، بات هذا العام مفتوحاً أمام مشاركين من الدول العربية كافة. في عام 2014، حين كانت موجةُ التفجيرات الإرهابية تجتاحُ لبنان، كانت «نواة» صادمةً في استعمالها لشعار «فجّر مواهبك» كـslogan أو Tag Line لمهرجانها الثاني آنذاك. يومها، صمّم الغرافيكي علي بحسون شعار المسابقة على شكل رجلٍ يرتدي حزاماً ناسفاً، لكن بدلاً من المتفجرات وضعت أقلاماً وألواناً. بالتأكيد، كانت الفكرة وراء العمل عدم الاستسلام وجعل «الخوف من التفجيرات» مانعاً أمام تحقيق الأهداف.
أدت المسابقة إلى ابتكار مشاريع علمية وفنية
«بدأت الفكرة في عام 2013 في الجامعة الأنطونية. كنا قرابة 25 شاباً نريد أن نخرج بفكرة غير اعتيادية لإحياء عيد المقاومة والتحرير ذات استمرارية وهدفية. وقتها، خرجنا بهذه الفكرة التي أسميناها «نواة»، حيث يعبّر كل طالب (لأننا وقتذاك كنا لا نزال طلاباً) عن المقاومة بالطريقة التي يجدها مناسبة. كان الطلاب المشاركون من اختصاصاتٍ مختلفة: هندسة، اخراج، غرافيكس، كلٌ بحسب اختصاصه». هكذا يخبرنا محمد خفاجة مدير الجمعية كيف بدأ مشروع «نواة: مهرجان الأفكار الإبداعية» الذي انطلق من جامعةٍ «تمنع» الأنشطة السياسية داخل حرمها. واللافت أيضاً أن المشروع بدأ بعيداً عن معقل المقاومة المحلي في بيروت: الضاحية الجنوبية. «وقتها كانت التجربة بسيطة: 25 طالباً يعرضون مشاريعهم التي تتحدّث عن المقاومة. في السنة التي تلت (أي 2014) ولأننا اعتقدنا بأن أهمية المشروع تكمن في استمراريته، شارك 200 فرد، وهذه المرّة ليس من جامعتنا فحسب، بل من مختلف الجامعات في لبنان. كان ذلك نجاحاً وأهميةً أكبر للفكرة، وتأكيداً أننا على الطريق السليم». هل كانت هذه الأنشطة بتوجيه من أحد؟ يطرح السؤال نفسه، فالنشاطات الثقافية تقل عاماً بعد عام في لبنان، كما أنَّ العمل عليها مكلفٌ. «للحقيقة لا تمويل من أحد إلا من بعض الراعين الذين ذهبنا إليهم وتحدثنا معهم لتأمين جوائز عينية للمشاركين كمطعم مهم يعطينا قسيمة دعوة. حتى إننا مثلاً في النشاط الأوّل، فرضنا تذكرة دخول لمن يريد مشاهدة النشاط» يؤكد خفاجة.
منذ انطلاقها، كان اهتمام «نواة» ألا يكون نشاطها عرضاً فحسب، بل أن يكون مسابقة. لذلك منذ المسابقة الأولى، كان هناك اهتمامٌ كبير بلجنة التحكيم، فضمّت اللجنة الأولى الإعلامي والشاعر زاهي وهبي، والمهندس محمد كوثراني (مدير عام «رسالات»)، والدكتور في كلية التربية الموسيقية في الجامعة الأنطونية هيّاف ياسين؛ وركّزت على «القياس» و«التنافس» بين المشاريع/ الأفكار الإبداعية المقدّمة في المسابقة. «منذ اللحظة الأولى، كان هدفنا أن يكون نشاطاً تنافسياً. من هنا، فإننا هذا العام كنا صريحين في الدعوة للمسابقة قائلين بأنه مشروع تنافسي، ولربما زدنا عليه بأنه الأوّل من نوعه، لأنه ببساطة لا يقدّم نفسه على أنه ساحة عرضٍ فحسب، بل مسابقة». لكن ماذا عن تبني «رسالات» (الجمعية اللبنانية للفنون) لمشروع «نواة»؟ يضحك خفاجة قائلاً: «لقد ورطنا «رسالات» في الموضوع. كانت كلمة المهندس محمد كوثراني في النشاط الأوّل حول أنَّ «رسالات» ستتبنى هذا المشروع لاحقاً. طبعاً بعد مدّة وخلال تحضيرنا لنشاط العام الذي تلاه، ذهبت لمقابلته وذكّرته بما قاله، وفعلاً حصل التعاون». لكن ماذا عن «الورطة»؟ يوضح خفاجة: «بالتأكيد هي ورطة، لناحية أنّها مسؤولية صعبة، لكن هذا لا ينفي أنَّ «رسالات» تدعمنا عبر علاقاتها ومعنوياً، لكن مادياً، نحن مستقلون والمشروع بكامله قائمٌ على راعين لا أكثر ولا أقل».
تضم المسابقة اليوم تسعة مجالات للمشاركة: العلوم، الشعر، القصة القصيرة، الغرافيك، الفن التشكيلي، الفيلم القصير، الأنشودة، التصوير الفوتوغرافي، المقال. هنا يتبادر سؤال: قد يفهم بعضهم معنى المشاركة بعملٍ فني لدعم المقاومة، لكن ماذا عن العمل «العلمي»؟ يوضح خفاجة: «في السنة الثانية، قُدِّم لنا مشروع يتضمن تقنية لاختراق المواقع الصهيونية مثلاً. في سنةٍ أخرى، قُدم مشروع لبطارية ذاتية التعبئة تقوم تقنيتها على استخدام طاقة المشي البشرية في تشريجها بالطاقة. هكذا، يمكن للمجاهد أن يضعها ويستعملها أفضل من البطارية العادية، أو مشروع «غواصة» تسير بواسطة التحكّم عن بعد. هذه المشاريع قابلة للتطبيق، فغالبيتها مشاريع جامعية للتخرّج». تأتي قوانين المشاركة المفصّلة على موقع الجمعية واضحةً في ضوابطها، ليصار لاحقاً إلى إفراز الأعمال المشاركة، ثم عرضها على لجانٍ تحكيمية متخصصة تحدد لاحقاً بحسب خفاجة «لأنه في النهاية مشروعٌ تنافسي يفوز به المشروع الأفضل». ماذا عن الجوائز؟ «هناك جوائز مثل بعض المنح الجامعية أو الدورات التدريبية الثقافية المختصّة، أو المساعدات التي نستطيع تقديمها من خلال نشر الأعمال الفائزة عبر وسائل الإعلام (ستنشر صحيفة «الأخبار» مثلاً المقال الفائز، فيما ستعرض «المنار» في حلقةٍ خاصة الفيلم القصير الفائز) أو طباعتها ضمن كتاب أو سواه. أما المشروع الغرافيكي الفائز فيعرض على جدارية في الضاحية؛ فضلاً عن الجوائز التقديرية التي يمنحها المهرجان/ المسابقة» على حد تعبير خفاجة.
http://nouwat.com