محمد سعيد بعلبكي | ندوب الذاكرة والحرب

  • 0
  • ض
  • ض

لا يزال محمد سعيد بعلبكي (1974) يشتغل على الذاكرة التي تكاد تقتصر على طفولة الرسام اللبناني التي ارتطمت بالحرب الأهلية، ووُصِمت بمناخاتها وجروحها وندوبها الباقيات حتى اليوم. رسم بعلبكي، أو «بعل» كما يلقّب نفسه، أشياء الحرب وتفاصيلها المنسية والعابرة والمهمشة، ومزج ذلك بعين الطفل الذي كان شاهداً عليها، وبعين الفنان القادرة على استثمار تلك الأحداث وإدخالها في مدوّنة فنية خاصة به. معرضه «ذكريات الحجارة» الذي تحتضنه «أجيال» يبدو كطبعة جديدة ومنقحة لهواجس الفنان الذي تحول خطاب الحرب لديه إلى أسلوب وفن شخصي. الأعمال المعروضة عيّنات من ثلاثة كتب منجزة بالطباعة الحجرية (Lithography)، الأول بعنوان nos âmes en chantier مع تقديم بالفرنسية لفاليري كاشار، والثاني «وادي أبو جميل» مع تقديم لغريغوري بوشاكجيان، والثالث «رحلة سعيد بعلبكي» بتقديم مروان قصاب باشي. وتعكس الأعمال جميعها تأملات بصرية سبق أن قاربها بعلبكي ونبش مكنوناتها. ظهر ذلك في شغله على «الحقائب»، وعلى أبنية المدينة المدمرة، وعلى «أكوام» و«الأحزمة» التي تتكدس فيها أغراض المهجّرين في الحرب، وعلى فكرة «الاستقلال» ونصب الشهداء في وسط المدينة، وعلى الخطاب المهيمن والمهمش في سرديات الحرب وما تلاها في السلم الأهلي المهدد دوماً. بين بيروت التي درس فيها، وبرلين التي أنهى دراسته العليا فيها، تبدو الحرب ذاكرة ممكنة ومتاحة في تاريخ المدينتين أيضاً، حيث يمكن لخطاب اللوحات والأعمال أن يتحول إلى مادة جذابة لجمهور آخر لديه الندوب ذاتها، والذاكرة ذاتها، وإن اختلفت التفاصيل. الجاذبية تتمثل في الاحتفاء بالخراب والأنقاض التي تحظى بنوع من «الشاعرية»، كما يقول قصاب باشي، لكنها شاعرية تتعرض لتجفيف العاطفة فيها لصالح تنظير فني وسياسي واجتماعي يتجاوز الذاكرة الفردية إلى وعي الفنان بالمدينة والعمارة، وعلاقته القاسية مع إرث الهوية وانشقاقاتها. إنه فن قائم على مفاهيم ونقاشات في الذاكرة والمعيش اليومي، والأعمال المعروضة هي تأويلات فنية لهذه النقاشات التي تضع تجربة بعلبكي في قلب الممارسات الفنية المعاصرة. * «ذكريات الحجارة: محمد سعيد بعلبكي»: حتى مساء الغد، «غاليري أجيال» (الحمرا). للاستعلام: 01/345213

0 تعليق

التعليقات