عزّة الحسن
يتملّكني إحساس بأنها المرة الأولى التي يشعر فيها الفلسطينيون بالعجز، خلال تاريخ كفاحهم ضدّ الاحتلال الإسرائيلي. هناك اليوم غياب لأي تصوّر سياسي، ونتيجة لذلك انعدمت وسائل الكفاح في مواجهة تلك المعاناة الأزليّة.
وفي هذا المناخ، جاءت العريضة التي وقّعها سينمائيون فلسطينيون، داعين الى “المقاطعة الثقافية للمؤسسات الاسرائيلية”، ثم الدعم الذي حظيت به من فنانين عالميين ومهرجانات وتظاهرات فنّية، أشبه بقبس ضوء، يعطي أملاً بأنّه ما زال بالإمكان أن نفعل شيئاًوأدرك أنه، لولا توقيع فنانين إسرائيليين تلك العريضة، لما أحرزت المقاطعة تقدّماً على الصعيد الدولي. لذا يشبه التعرّض للفنانين الإسرائيليين المعروفين بنضالهم ضد ممارسات دولتهم القمعية، إطلاق النار على النفس.
كانت عريضة المقاطعة في طريقها الى أن تتحول، بشكل واضح، أداة ضغط على المؤسسات الثقافية الاسرائيلية التي لم تتخذ موقفاً من الاحتلال. وكانت رسالتها واضحة: “ليس بإمكان هذه المؤسّسات الثقافية أن تتجاهل ما تقترفه دولتها، بل بات ضرورياً اتخاذ موقف حازم من الاحتلال”.
وعلى هذا الأساس، عندما يعتبر أحدنا أنّ هناك سوء استخدام لعريضة مثل “عريضة المقاطعة الثقافية للمؤسسات الاسرائيلية”، فعليه ـــ برأيي ـــ أن يعترض على سوء الاستخدام هذا بدلاً من التهجّم على العريضة نفسها. فالدافع إلى توقيع العريضة، نابع، في اعتقادي، من إيمان عميق “بضرورة عدم الوقوف مكتوفي الأيدي إزاء انتهاك حقوق الإنسان”. لهذا أستبعد كثيراً أن يكون هدف موقّعي هذه العريضة الارتماء في أحضان “صيد الساحرات”.
قبل عامين، وقّعت بنفسي عريضة المقاطعة الثقافية للمؤسسات الاسرائيلية. وكتبت آنذاك تصريحاً بأن توقيعي ليس موجّهاً ضد الفنانين الإسرائيليين، بل ضد المؤسسات الإسرائيلية التي ترفض اتخاذ موقف مناهض للاحتلال. ساهمتُ مذ ذاك الحين في عروض مشتركة مع فنانين اسرائيليين “لم أسألهم يوماً عن ميولهم السياسية”. وشاركت أيضاً في نشاطات إسرائيلية احتجّت على الاحتلال. إنه لعار عظيم أن يُساء فهم مطالبة بسيطة مثل معارضة الاحتلال، وأن يصل الأمر الى التخلّي عنها بهذه السهولة.
قد نحتاج في هذه الحالة الى شيء من الشاعرية كي نبقى أوفياء للفكرة الأصلية.