كان | للمرة الأولى منذ أربعة مواسم، حظيت فعاليات افتتاح "مهرجان كان السينمائي"، في دورته الـ ٦٨ مساء أمس بطقس صيفي لم تعكره الأمطار التي يتخوف القائمون على المهرجان دوماً من هجومها المباغت، إذ غالباً ما كانت تلقي بظلالها على طقوس صعود سلالم قصر المهرجان المكسوة بالبساط الأحمر. الطقس المشمس إذاً، ساعد في إبراز البصمة الاستعراضية المغايرة، التي أراد رئيس المهرجان الجديد، بيار ليسكور، أن يطبع بها دورته الأولى على رأس الكروازيت: لمسة من الأبيض الخفيف على البساط الأحمر، تناغماً مع بياض ملصق المهرجان المتوّج بصورة النجمة إنغريد برغمان؛ وكوكبة لامعة من النجوم، تقدمهم - بالطبع - الثنائي الفرنسي، بطلا فيلم الافتتاح، كاترين دونوف وبونوا ماجيمال.

جاءت اللمسة الهوليوودية التي تشكّل عادة ملح الكروازيت، خلال استعراضات البساط الأحمر، متنوعة بشكل غير مسبوق: من شارليز ثيرون وتوم هاردي، بطلا فيلم "ماد ماكس، طريق الغضب"، الذي سيقدم عرضه الرسمي اليوم الى نتالي برتمان، التي تقدم في هذه الدورة عملها الأول كمخرجة، وهو فيلم بعنوان "قصة عن الحب والظلمات"، وصولاً الى رئيسي لجنة التحكيم، السينمائيين المشاكسين جويل وإيثن كوين. جعل الاثنان من المؤتمر الصحافي الروتيني الذي تعقده لجنة التحكيم عند افتتاح كل دورة، لحظة نادرة من لحظات الصفو الساحرة التي ستبقى ماثلة في ذاكرة الكروازيت لسنين طويلة. فرداً على سؤال عما اذا كانت لجنة التحكيم برئاستهما ستكافئ حتماً "فيلماً مثقفاً"، أجاب جويل كوين: "نعم، لكن للأسف، هناك معضلة: رغم إلحاحنا عثلى ادارة المهرجان، فإنها مصرة على أن يُعرض "ماد ماكس" خارج المسابقة"!.
لكن نجاح المهرجان في امتحان بعث نفَس ثان في الجانب الاحتفالي، الذي يشهد تراجعاً مطرداً منذ مطلع الألفية الجديدة، لم يكن المفاجأة (السارة) الأكبر في هذه الدورة. جاءت "الصدمة الفنية" الاقوى من فيلم الافتتاح "الرأس المرفوعة". إيمانويل بيركو، لم تكن أول امرأة يتم اختيار عملها ليكون فيلم الافتتاح في "كان" فحسب، بل إنّ هذه السينمائية الفرنسية ذات النفس اليساري حققت انجازاً آخر اكثر إبهاراً. سمحت لسينما المؤلف، في أبهى صورها، باقتحام حفل الافتتاح، بعدما جرت العادة في "كان" على تخصيص فيلم الافتتاح للسينما التجارية الهوليوودية في الأغلب، حرصاً على استقدام نجوم بارزين قادرين على استقطاب الجمهور الأوسع من رواد الكروازيت، لضمان انطلاقة قوية لاستعراض البساط الأحمر.
فيلم الافتتاح أثار جدلاً، احتدم باكراً في هذه الدورة حول أسباب استبعاده من سباق "السعفة الذهبية"، رغم تخصيص "كوتا" بارزة من خمسة أفلام للسينما الفرنسية في التشكيلة الرسمية. علماً بأنّه جرت العادة في "كان" بأنّه يمكن لفيلم الافتتاح أن يدخل المنافسة، إذا رغب فريق الفيلم في ذلك، وإذا وافق القائمون على المهرجان.
خلال المؤتمر الصحافي الذي عقد اثر العرض الصحافي الأول للفيلم صباح أمس، اكتفى الثلاثي بيركو ودونوف وماجيمال بالقول إنّ السؤال حول غياب الفيلم عن سباق "السعفة الذهبية" يجب أن يوجه الى المفوض العام للمهرجان، تييري فريمو، مما اعتبر نفياً مهذباً لأن يكون ادراجه خارج المسابقة نابعاً من رغبة فريق الفيلم أو بطلب منه.
كل هذه الانتقادات مردها الى كون "الرأس المرفوعة" أعطى الانطباع لدى النقاد ـــــ بفضل قصته الانسانية المؤثرة، وحبكته الاخراجية المتقنة التي قارنها بعضهم بسينما الأخوين داردين ــــ بأنه بمثابة "مشروع سعفة مجهضة". وبسبب ذلك، ربما تم تفويت فرصة (نادرة) على السينما الفرنسية لاقتناص "السعفة" مجدداً. لكن تييري فريمو يراهن ــ كما نقل مقربون عنه ـ على أن الأفلام الخمسة الفرنسية التي ستدخل المسابقة تباعاً، ستمحو من الاذهان سريعاً هذا الإحساس بالغبن، الذي سيطر أمس على نقاد السينما وصنّاعها في فرنسا.