فؤاد جوهر
67 عملاً تشكيلياً احتضنتها على مدى أسبوع قاعة “الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت” في فردان. وضم المعرض الثلاثي الذي اختتم أمس، أعمالاً لعدنان المصري، ومفيد زيتوني وفريد منصور. للوهلة الأولى ترى نفسك أمام مدرستين تشكّلان محوراً مهماً في العمق التشكيلي اللبناني، وإن يكن متناقضاً أحياناً. المدرسة الحروفية العربية التي يخوض غمارها كل مـن عدنان المصري ومفيد زيتوني وإن كان أقل، ومدرسة المنظر الطبيعي الانطباعي في أعمال فريد منصور الباستيلية الصغيرة.
أعمال عدنان المصري الحروفية التي بدأ تجاربها التشكيلية منذ إطلالته على حركية الإبداع التشكيلي اللبناني، هي الحركـة الحروفية العربية بكل تشعباتها وركائزها المستقاة مـن رموز الحرف العربي كمنحى تجريدي وجمالي. وإذا كان في أعمال عدنان المصري هذا الانبهار اللوني في نمطية هندسية متناغمـة ذات بعد رقشي (أرابيسك) تجريدي، فمما لا شك فيه أنه لم يُدخِل على حروفيته الموشاة لوناً، هذا البعد التجريدي الروحي في حركية الحرف وتكوينه الهندسي والحسابي. لم يطوِّع بين يديه إنسيابية الحرف العربي كتجريد هندسي يدخل في مساحات الـروح ويستنفد طاقتها، ولم يُدخِل بعداً جديداً في حركيته الحروفية، رغم اشتغاله عليها مدة طويلة من الزمن. الحروفية العربية التي أخذت بعدها التشكيلي والروحي في سبعينيات القرن الماضي، أدخلت على الحرف العربي في اللوحـة التشكيلية إضاءات براقة في نمط تشكيلي أخاذ، وأدخلته في الحركة التشكيلية العالمية. وهنا نذكر تجارب الفنان العراقي ضياء العزاوي والفنان السوري سامي برهان والفنان اللبناني وجيه نحلة والفنان التونسي نجا المهداوي.
بدا البعد التشكيلي لدى عدنان المصري بعداً ديكورياً لونياً يعمل على انبهار العين من دون الدخول في العمق التشكيلي للحرف العربي. كان يستطيع المصري أن يعمّـق قماشته ويفتش عن بعد آخر لحركية الحرف، لا سيما أن مـادة الغواش التي يرسـم بها تعطينا بعداً ضوئياً، قد لا نجده في التقنيات اللونية الأخرى. وأعماله الأحدث ليست إلا مقاربة لأعماله القديمة من دون تجديد وتفرد في أفقه التشكيلي والأسلوبي. يدرك عدنان المصري تماماً أن عين المشاهد لا بصيرته سوف تنبهر باللذة اللحظية للوحته. لكن عندما يبدأ بالتأمل عن قرب، يكتشف التركيبة التأليفية للعمل الفني بعيدةً عن أناقة اللون ونظافته الذي يريد عدنان المصري أن ينشده ربما.
في المقلب الآخر، نجد أن مشاهدات مفيد زيتوني التشكيلية ابتعدت عن التجريد الصامت والجاف لتركيباته الخشبية السابقة. لجأ إلى جمالية المنظر الطبيعي الصاخب لونياً مع بعض الأعمال الحروفية الخطية القديمة. وربما كان من الأفضل لزيتوني، لإعادة رتابة نصه التشكيلي، أن يتأمل ملياً حوله وحول طبيعته ليجد متنفساً آخر لاصطياد اللحظة الفرحة في أبجدية التشكيل.
الا أن المنحى الإيجابي الذي غرف منه زيتوني مناظره الطبيعية، مع اختزال حركية اللغة التشكيلية عنده، جعل المنظر تركيباً تشكيلياً تجريدياً، يحاول من خلاله التأقلم مع مناخات الحداثة التي يخاف فنانون كثر أن يهربوا منها حتى لا يُتهموا بالتقوقع. أما حروفية مفيد زيتوني الخطية فغرقت في التبسيط الممل الذي لا يغري العين. وهو كما عدنان المصري، لم يحدث نقلة في تركيباته الحروفية الخطية وفي سبر أغوار جمالية الحرف العربي بأناقته وروحانيته.
أما فريد منصور المتقوقع في رهبانيته الريفية، فقدم لنا 30 عملاً بألوان الباستيل وهي عبارة عن استقراءات لمشاهداته الطبيعية. الا أنه لم يدخلنا في عمق المنظر الطبيعي اللبناني، كما كانت الحال عند كثير من الفنانين اللبنانيين، خصوصاً أن مادة الباستيل ليست مطواعة كالألوان الزيتية أو المائية مثلاً. لذلك فالاسترسال في هذه المناظر ذات الأحجام الصغيرة من دون اختزال بصري يحدث توازناً بين العين والبعد اللوني. وهذا قد يعود إلى السلام الداخلي لروحية الفنان والركود المكاني غير المتحرك المتمحور حول مدى العين القليل عنده ومن دون الدخول في عالم البعد التجريدي والرؤيوي للمنظر الطبيعي.