غزة | نجح الشهيد ناجي العلي (1937 ــــ 1987) في نحت حنظلته في ذهنية المقاوم العربي، ومضى. انسحب خلف الستار، فيما ظلّ حنظلة الثائر شاهداً على سهام التطويع والتطبيع التي تُغرز تباعاً في الجسد الفلسطيني والعربي. 28 عاماً مرّت على استشهاد رسام الكاريكاتور الفلسطيني، من دون أن يقفز حنظلة عن أعوامه العشرة. أخيراً، استعادت قناة «الميادين» حنظلة برمزيّته الساطعة في برنامج يحمل العنوان ذاته.
هكذا، انطلق يوم الجمعة برنامج «حنظلة» (إخراج يوسف مغنية) لإسقاط هذه الأيقونة الحاضرة في جميع رسوم العلي على الأحداث الجارية اليوم، خصوصاً في خضمّ المشاريع الفتنوية. هذا البرنامج الذي يمثّل عصارة عام كامل من البحث وقراءة ما وراء «حنظلة»، كان أشبه بحلم داعب مخيّلة عائلة العلي، قبل أن يتحوّل إلى حقيقة وتتبنّاه القناة. رأت المحطة في المشروع «إعادة تأكيد أن الثوريين على غرار العلي لا يسكتهم الرصاص، وأنّ الأيقونات التي أطّرت قضايانا، كحنظلة، لا تزال جاهزة للمواجهة الثقافية والفنية في وجه المتآمرين».
ومثلما قال العلي بأنّ «قوانين الطبيعة لا تنطبق على حنظلة لأنه استثناء»، يبدو البرنامج الذي يحمل توقيعه استثنائياً ومتفرّداً أيضاً، خصوصاً أن فريقاً محترفاً مكوّناً من باحثين ومخرجين وفنيين غاص في خلفيات رسومات الشهيد الكاريكاتورية (بحث المدوّن خضر سلامة)، وانتقى منها ما يتواءم مع أحداث اليوم. يبدو هذا الفريق مهتدياً إلى معظم البصمات التي طبعت مخزون عمل الشهيد، إذ سار على الخطّ نفسه الذي خطّ فيه الرسام عباراته الكاوية عن الاستبداد والخضوع العربي للأنظمة الاستعمارية. بصيغة متحرّكة على صعيد الرسومات والخطّ، ينثر الفريق روح الشهيد على الشاشة.

اقتضاب مدّة حلقات البرنامج ولكنها تكثّف الفكرة والرسالة

ورغم اقتضاب مدّة حلقات البرنامج التي لا تتجاوز الواحدة دقيقتين، غير أنها تتميّز بتكثيف الفكرة والرسالة. فقد نجح المنتج المنفذ للبرنامج (شركةMentis Plus) في إنتاج خلطة متكاملة على درب الشهيد من ناحية الكتابة وتنفيذ الرسوم (فاطمة قصير وهالة سلوم)، مع إضفاء عنصر التفاعل الحركي عليها. هذه التجربة الجديدة اللائقة بقامة العلي، اعتبر نجله خالد، أنها ستؤسّس لمرحلة فنيّة مهمة في حفظ إرث والده المقدّر بحوالى 15 ألف رسمة، إضافةً إلى توريث مواقفه الراديكالية للمشاهدين، تحديداً للأجيال الصاعدة. على صعيد الشخصيات، لم ينحرف البرنامج عن شخصيات العلي. في أولى حلقاته، تناول «فاطمة العذراء» التي تحمل جنين «الثورة»، بعدما قتل العدوّ الإسرائيلي كلّ الرجال.
هذا المشهد الذي يرافقه نحيب النساء، يُحيلنا على بعدين حقيقيّ ومجازي لقتل الاحتلال الإسرائيلي الرجولة العربية. إذ تبرز في خلفية المشهد عبارة «لا للأبوات»، وتحديداً الأبّ الأصل للفلسطينيين «منظمة التحرير الفلسطينية» التي يشعر أبناؤها اليوم أنهم في حالة يُتم واضحة، بعدما انحرفت عن بوصلتها.
أمّا في الحلقة الثانية، فقد حاكت الرسوم الدور الصهيوني في تأجيج الفتنة الطائفية في المنطقة العربية. وكما سار صاحب «حنظلة» على مسار واحد أنّه «ليس من حقَ أكبر رأس أن يوقع على اتفاقية استسلام وتنازل عن فلسطين»، هكذا، سيكون برنامج «حنظلة» كالبوصلة التي تشير دائماً إلى فلسطين.

* «حنظلة» يومياً على «الميادين» خلال نشرات الأخبار