لا أحد يعرف ما الذي تخطّط له شركة «المها» الكويتية، وما هو الهدف من خياراتها الإشكالية للأعمال التي تنتجها. سبق أن جرّبت إنجاز مسلسل «الأسباط» الذي يروي سيرة الحسن والحسين، فجوبهت بسلسلة مشاكل منذ بدء التحضير، وصولاً إلى خوف بعض الفنانين من تصويره خشية إثارة الفتنة الطائفية.
لكنّ منتج العمل محمد العنزي ظلّ مصرّاً على إنجاز المسلسل، فخرج كسيحاً «بفضل» الرقابة والحرب التي شُنَّت عليه، من دون أن يكتب له شرط مناسب للعرض. وهذا العام، تُعيد الشركة تجربة لا تقلّ إشكالية، بعدما أعلنت أخيراً نيّتها تصوير مسلسل يروي سيرة الإمام «أحمد بن حنبل» (سيناريو وحوار محمد اليساري وإخراج عبد الباري أبو الخير) ليكون جاهزاً للعرض في رمضان. وحالما انطلق المشروع، قوبل باعتذارات من نجوم سوريين عرضت عليهم أدوار فيه، منهم قصي خولي وغسان مسعود. ربما كان السبب ما يمثله رابع الأئمة عند «أهل السنة والجماعة» من تزمّت والتزام دقيق بكل تعاليم
الدين.
وتُجمع المراجع الدينية على أنّ صاحب المذهب الحنبلي (له أتباع كثر حتى اليوم) أكثر المذاهب السنية محافظة على النصوص وابتعاداً عن الرأي. لذا، تمسّك بالنصّ القرآني وبالبيّنة ثم بإجماع الصحابة، ولم يقبل بالقياس إلا في حالات نادرة. وهو ما سيضيء عليه المسلسل، إضافة إلى رحلات طلبه للعلم، وتفاصيل خلافه مع المعتزلة في عهد المأمون، ثم المعتصم بالله والواثق بالله، وفقهه وأصول مذاهبه. قد يرى بعضهم أنّ القصة غير ملائمة لزمن يُعتبر من أكثر مراحل الأمة العربية انقساماً وشقاقاً وتشرذماً، وحروباً طائفية مقيتة، فيما يرى آخرون العكس، فالإضاءة على شخصيات تاريخية دينية بمقاربة ذكية تسهم في زيادة المعرفة ورفع الوعي وتحصين الشعوب من الفتنة. ربما هذا ما يؤمن به الممثلون المشاركون في أدوار البطولة وهم من سوريا: مهيار خضور، وسامر المصري، وقمر خلف، وقاسم ملحو، وفادي صبيح وشادي مقرش، ومن الأردن عاكف نجم، ومن العراق جواد الشكرجي.

تدور كاميرا عبد الباري أبو الخير قريباً في المغرب لتصوير المسلسل


في حواره مع «الأخبار» يؤكّد مهيار خضور أنه سيجسّد دور الإمام ابن حنبل، نافياً أن يكون قد أوكل الدور للكثير من الفنانين قبله. ويعتبر: «أن الاعتذارات من بعض الممثلين عن أدوار ثانية جاءت إمّا لدواع مادية أو لارتباطات أخرى لا أكثر». لكن لماذا اليوم هذه الشخصية المعروفة بتزمّتها؟ يردّ خضور: «هناك فهم خاطئ لفكر الرجل وتوارد غير دقيق. سؤالك كان أوّل ما طرحتُه على نفسي لدى عرض العمل عليّ وقبل أن أقرأ النص. لكن بعدما قرأت القصّة، تنبّهت إلى أنّها مكتوبة بسلاسة وبصورة منطقية عن الرجل، وشعرت أنه ربما من الإيجاب أن نقدّم الإسلام بصورته الصحيحة في هذا الوقت تحديداً».
لكن حتى مزاج الجمهور ومطلب الفضائيات يبدوان بعيدين عن الأعمال التاريخية والدينية في هذه المرحلة، فهل من المناسب السباحة عكس التيار؟ «كل عمل يحمل فكر صانعيه» يجيب الممثل السوري، مضيفاً: «مثلما هناك أعمال رومانسية واجتماعية، فإن الضفّة المقابلة تكون متروكة لأعمال من نمط وشكل آخرين.
المهم ألا تحمل التجارب الإساءة لأي طرف أو شخص، والفنان دائماً يسعى إلى تقديم الأفضل. ولدى قراءتي النص، وجدت الشخصية مكتوبة بأسلوب مشوّق وبطريقة فنية عالية المستوى، خصوصاً أنها غنية بالمعطيات والركائز التي تحرّض أيّ ممثل على تقديمها». سبق لخضور أن جسد شخصية «خالد بن الوليد» في مسلسل «عمر» (تأليف وليد سيف) مع مخرج مرموق مثل حاتم علي. لكن ليس للمخرج عبد الباري أبو الخير أيّ تجارب مضيئة أو تاريخ فنيّ حافل يحمّس للعمل معه. يعلّق خضور بالقول: «ليس كل المخرجين الذي يبرزون على الساحة أصحاب مشاريع. وبالنسبة إلى مخرج العمل المنتظر فهو أكاديميّ، وأمضى ساعات حضور طويلة في الدراما السورية منذ أن كان مخرجاً منفّذاً. أنا مؤمن به وبموهبته رغم أن تجربته السابقة «الأسباط» لم تكتب لها فرصة الظهور المناسب. عموماً، صرت جزءاً من العمل، ولا بد من تبنيه إلى الحدّ الأقصى، وغالباً عندما يتوفر إيمان بشخص يقود مشروعاً، فإننا نتشارك معه في الخطوة التي يمشيها نحو الأمام». إذاً، ستدور كاميرا عبد الباري أبو الخير قريباً في المغرب لتصوير المسلسل. لكن مشكلة جديدة تواجه العمل وهي صعوبة تحصيل تأشيرات الدخول للممثلين السوريين وهو ما يؤخّر بدء التصوير، وربما يجعله غير حاضر على الخريطة الدرامية في رمضان المقبل.




ماذا عن الرقابة؟

ماذا عن الرقابة الدينية والمجتمعية التي ربما ستغالي في تطويق مسلسل «أحمد بن حنبل» بآراء سلبية، خصوصاً أن للشخصية مكانة دينية مختلفة عما سواها؟ يجيبنا مهيار خضور: «نحن نقدّم قصّة معروفة من دون أيّ تجاوزات لتاريخ الشخصية ومكانتها، بل بطريقة درامية محكمة ورؤية عن حياته التي أمضاها في بغداد حتى مماته وهو صائم. كذلك، نضيء على الفقر الذي عاشه، والمحن المتتالية التي عرقلت مسيرته».