لليوم الثاني على التوالي، قادت الصحافة الرسمية السعودية حملة مكارثية بامتياز، طالت جميع من لا يتحدّث أو يشكّك في «إجرام» الشيخ نمر النمر (1959-2016). عدو النظام الأوّل الذي اقتُصّ منه بإخفاء صوته وجثمانه، أطلقت صحافة التقارير الأمنية لتشويه سمعة رجل لطالما شهد له الجميع بالعلم والسيرة الحسنة. بعد الإعلان عن قتل النمر السبت الماضي في مؤتمر صحافي لوزارة الداخلية، بدأت حملة ضخمة من الصحف التابعة للجهاز الأمني. لا نبالغ إذا وصفناها بـ «الحرب» لتشكيل الرأي العام المحلي والدولي ضدّ الذين لا يرون في النمر الخطر الأكبر الذي كان جاثماً على صدر النظام السعودي. حتى أنه قد يتحوّل إلى حدّ المطالبة بمحاكمة كل من لا يُبدي يمينية متطرّفة في الموافقة على ما حدث للشيخ الثائر، مما جعل بعضهم ينتقد صياغة الصحف العالمية منها «نيويوك تايمز» والـ «اندبندنت» لأخبار حفلة القصاص الأربعينية.إهتمت الصحف السعودية بكافة التفاصيل الصغيرة والكبيرة في حياة النمر، بدءاً من الصورة التي وزّعتها الداخلية وهو يرتدي الزي السعودي (الثوب والشماغ) في إعلانها عن تنفيذ الحكم بحقّه، «كونها رسالة لإظهار جنسيته السعودية، وليس انتماءه المذهبي»، كما يوضح أحمد الجميعة الكاتب في صحيفة «الرياض». الصحافي السعودي صُدم بردّة فعل وسائل الإعلام الغربية على إعدام النمر، رافضاً مجرّد التشكيك في نزاهة القضاء السعودي، فيما إعتبر زميله في الصحيفة نفسها ياسر المعارك أن ما حدث «ضربة موجعة في وجه الإرهاب الإيراني!».
ودشّن جميل الذيابي ترؤّسه لصحيفة «عكاظ» بتقديم الطاعة للنظام الذي كلّفه مهمّة بالتهجّم على الشيخ النمر، قائلاً «الأكيد أنّ كل هذا التباكي والعويل على نمر النمر، إلى جانب قيادات من «القاعدة»، دليل على أن المملكة قطعت رأس أفعى». منصور الشهري في «عكاظ» إستعاد مهمّة كاتب التقارير الأمنية في كلامه عن النمر، معيباً عليه حمل «شهادة الكفاءة المتوسطة»، ومتجاهلاً دراسة العالم السعودي الدينية في قمّ والنجف، كون مجرّد مكوثه في مدن شيعية بغرض الدراسة يضعه في سجّل العمالة لطهران.
وفي مقال في "الحياة" لداوود الشريان عميد الإعلاميين السعوديين، قال إنّ تأكيد عمالة النمر جاءت بسبب «ان المتباكين على إعدام نمر النمر ليسوا سعوديين. وفي أسف أقول: معظمهم شيعة وموالون لإيران»، وفق تعبيره. الشريان الذي لطالما تباهى باستضافة ارهابيين في برنامجه «الثامنة مع داوود» على قناة mbc، وصف واقعة الاعدام بالدعاية السياسية الفجة، رافضاً وصف «إعدام النمر بإعدام للعقل والاعتدال والحوار والرأي الآخر». وختم الشريان مقالته بتغريدة لرفيقه في التيار الجهادي سابقاً الشيخ سلمان العودة، بدعوة الشباب إلى البعد عن الغلو والتطرّف.
وفي مقال نشرته «الشرق الأوسط»، طرح المدير السابق لقناة «العربية» عبدالرحمن الراشد، علامات إستفهام حول سبب إنقياد الصحافة العالمية وراء الدعاية الإيرانية، على غرار «بي. بي. سي.» البريطانية التي لخّصت خبر الإعدام في شخص النمر، و«نيويورك تايمز» عن طريق نشر مراسلها في طهران خبراً على تويتر يقول إن المنفذ فيهم أحكام الإعدام هم من الشيعة. ورفض الراشد في مقاله منح النمر صفة الزعامة السياسية أو الحصانة الدينية، قائلاً «هل خطابه ينتقد الحكومة السعودية؟ نعم، وكذلك يفعل البغدادي زعيم داعش». وطلب مشاري الذايدي في الصحيفة نفسها وصفة الوصول إلى شراء الصحافي البريطاني روبرت فيسك إلى صف النظام السعودي المتشدد، متسائلاً بسذاجة منقطعة النظير، بأنّه يفهم «أن يغضب خامنئي، فهذا متوقع. لكن ماذا يريد بعض الإعلاميين الغربيين أو حدثاء الانتماء للنشاط الحقوقي في العالم العربي؟» وفق تعبيره.
مهنة التطبيل لممارسة الحقّ السيادي في دحرجة الرؤوس، تصدت له صحيفة «الوطن» أيضاً. حمّل إدريس الدريس مقالته عنوان «وعندنا احتفالات برؤوس المجرمين»، داعياً السفارات ووسائل الاعلام للقيام بدورها وواجبها في توضيح «ما ستتركه بعض تنظيمات حقوق الإنسان من أثر سلبي سببه غبش صورتنا وغموضها» بعد حفلة الاعدامات الأخيرة.
الدريس وزملاؤه، رفعوا الاقلام للتهليل للسيف الأملح، وصرخوا للأخ الأكبر ألا يرحم مخالفيه، قالوا له: «اقتص للوطن». حتى مارسوا مكارثية ضدّ القريب والبعيد حدّ التماهي مع كيان الاحتلال الاسرائيلي، ختمها أحدهم بالقول «وأخيراً خرج المرشد الأعلى خامنئي البارحة ليتوعد المملكة بعذاب إلهي، ومن نصر إلهي في 2006 وصولاً لوعيد بعقاب إلهي في 2016 يتوج عقداً من صناعة الوهم».