الليلة ينطلق "مهرجان الربيع" بين عاصمتين عربيتين. بيروت ستشرع مسارحها وفضاءاتها على كافة أنواع الفنون، كذلك تونس التي تشهد هذه السنة مشاركتها الأولى. لا يبتعد المهرجان الفني الثقافي الذي ينظمه "المورد الثقافي" بالتعاون مع "جمعية شمس" عن الحالة السياسية الراهنة في العالم العربي. ترى مديرة المهرجان المسرحية اللبنانية حنان الحاج علي أن الثقافة والفنون هي الفسحة الوحيدة الباقية لتفعيل الوعي السياسي في لبنان والعالم العربي. وفيما تغيب مصر للمرة الأولى هذه السنة (راجع الكادر)، ينقل المهرجان الذي يقام كل عامين منصته إلى تونس بالتزامن مع النسخة البيروتية الخامسة (منذ 2008). في "مسرح الحمرا" و"سينما الريو"، توجّه النسخة التونسية تحية إلى المسرحي التونسي وأحد مؤسسي "المورد الثقافي" عزالدين قنون في ذكرى رحيله الأولى. تحية تجري على هامش أحداث الشارع التونسي المتوتر، الذي يحتاج الى أكثر من أي وقت مضى إلى أصوات الأمل، وفق تعبير الحاج علي. إذاً، يضم البرنامج المشترك بين البلدين (مع ترك مساحة لخصوصية كل بلد) عروضاً معاصرة راقصة ومسرحية وموسيقية (راجع مقال الزميل بشير صفير) ولقاءات وعروضا أدائية. وقد جرت البرمجة وفق ثلاثة خطوط رئيسية هي "برنامج رئيسي" يتضمن عروضاً عالمية، و"تزامن" الذي يقدم فنانين عربا مستقلين تلقوا دعماً من "المورد الثقافي" في السابق، و"ريد زون" الذي يقيمه المهرجان للمرة الثالثة بالتعاون مع مهرجان "ريد زون" النرويجي (تنظيم KKV of Norway). هكذا، تعود المنصة العربية بنسخة جديدة تجمع تجارب فنية عالمية وعربية لأجيال مختلفة، إلى جانب فسحة تؤمنها للشراكات بين فنانين آتين من خلفيات متنوعة وغنية. مرة جديدة، تخرج الفعاليات عن نطاق العاصمة اللبنانية متوجهة إلى الجنوب، وتحديداً إلى "مسرح اسطنبولي" في صور و"سينما أمبير" في النبطية. وحين يتضمن بيان المهرجان عبارات مثل "التوجه إلى أوسع جمهور" و"السعي إلى إحداث تغيير إجتماعي"، فإنه يترجم ذلك هذا العام بدعوته للاجئين سوريين وفلسطينيين مقيمين في البقاع، وعمال وعاملات أجنبيات لحضور بعض العروض. من فلسطين وسوريا وتونس والجزائر ومالي والكويت والهند والصين والبرتغال ولبنان، سيحط نحو 25 عرضاً فنياً في "مسرح دوار الشمس"، و"مترو المدينة"، و"المحطة"، و"متروبوليس امبير صوفيل"، و"راديو بيروت"، في برنامج يستمر حتى 26 أيار (مايو) المقبل. الإفتتاح الليلة في "مسرح دوار الشمس" (الطيونة ــ بيروت)، مع "فرقة بكين" للرقص المعاصر والحديث الآتية من الصين. ستقدم الفرقة التي تأسست عام 2005، ثلاثة عروض هي "دائرة" و"أكتوبر" و"الطقس الأوّل". في "دائرة" المستوحاة من عمق الحضارة المنغولية، يتوزّع الراقصون على نحو دائري، لتصنع أجسادهم أشكالاً أخرى في محاكاة لمشهد الحياة المجزأ واللامتوازن. العرض الثاني يحمل عنوان "أكتوبر" ويؤديه راقص وراقصة على مقطوعة "أكتوبر" لتشايكوفسكي، مستلهمين حركاتهما من فنون الإيماء، ومن بعض المهمات المنزلية كالزراعة والطبخ والتنظيف. الفرقة التي تستوحي أعمالها من الحضارة الصينية القديمة، تذهب في عرضها "الطقس الأوّل" إلى الحضارة الإنسانية الأولى وعلاقة الإنسان بالطقوس الموسيقية الصينية التقليدية التي تنتج منها أسئلة كثيرة عن الجسد والروح والعالم الخارجي والداخلي. من الرقص إلى المسرح الراقص، ينقلنا المهرجان إلى عرض "من ملحمة المهابهاراتا" (8/5 ــ س: 20:30) لـ "مركز كيرالا للكاثاكالي"(تأسس عام 1990). دعوة الفرقة الهندية واحد من خيارات المهرجان الأساسية ورؤيته الساعية إلى الإضاءة على فرق وعروض تحتفظ بخصوصية ثقافاتها وشعوبها. هكذا هي فرقة "كيرالا للكاثاكالي" التي تقدم رقصات وطقوس الكاثاكالي من منطقة كيرالا الهندية، وتعود إلى نحو ثلاثة قرون. يستند العرض إلى الميثولوجيا الهندوسية، وتحديداً إلى مشاهد من ملحمة المهابهاراتا، حيث نرافق الراقصين على المسرح في رسم الأقنعة، وتعابير الوجه التي تعد ركيزة أساسية في الكاثاكالي إلى جانب الباليه والأوبرا والإيماء. إلى جانب العروض العالمية، يدعم المهرجان عروضاً عربية ومحلية تعكس واقعها المفتت. هذه السنة، يحتفي المهرجان بفرقة "كهربا" اللبنانية من خلال العرض العربي الأول لمسرحيتها "مساحات دموعنا" (5/5 ــ س: 8:30) التي افتتحتها في فرنسا أخيراً، وعرض آخر لـ "أصل الحكاية" في النبطية (23/5) وفي صور (24/5). "مجموعة كهربا" التي تأسست عام 2007، أظهرت تجربة متفردة في المسرح اللبناني المعاصر بجمعها لمختلف أنواع الفنون الأدائية والبصرية ضمن قالب تجريبي مثل الرقص المعاصر وفنون خيال الظل والدمى والمسرح والسينوغرافيا. يقارب عرض "مشاهد من دموعنا" (إخراج: اريك دينيو) وضع الإنسان العربي من خلال قصة أيوب في الكتب المقدسة، في نص للكاتب المسرحي الروماني ماتي فيشنيك. السينوغرافيا المدهشة المصنوعة من ورق الحرير تظهر الدمار في قلب أيوب المهشّم، وخساراته المتكررة في عرض يؤديه أربعة ممثلين هم أورليان زوقي، ودومينيك بيفاريلي، وماريليز عاد وضنا مخايل، يرافقهم تسجيل صوتي للمسرحي اللبناني روجيه عساف. هناك محطة مسرحية مميزة مع الكويتي سليمان البسام (1972) ومسرحيته «في مقام الغليان: أصوات من ربيع مُخْتَطَفْ» (7/5 ــ س:20:30)، التي افتتحت عروضها في "مهرجان سيدني" عام 2013. العرض الذي نشاهده هو النسخة النهائية من "في مقام الغليان" (70 دقيقة). هناك ستة مونولوجات شعرية ساخرة تظهر حالات فردية تعاني تشنجات التغيير في العالم العربي: فتاة أزيدية وفتاة هوى وممثلة سابقة وشخصيات مهمشة أخرى تتناوب على تأديتها الممثلة حلا عمران باللغة العربية، وريبيكا هارت باللغة الإنكليزية على إيقاعات الموسيقية الأميركية بريتاني آنجو. إلى دمشق تنقلنا مسرحية "زجاج" (12 و13/5 ــ س:20:30) لأسامة غنم. اقتبس المخرج السوري عمله (2015) عن نص «مجموعة الحيوانات الزجاجية» للأميركي تينيسي وليامز، وأسقطه على يوميات الحرب التي تعيشها عائلة سورية تواجه التغيرات الإجتماعية. الحرب السورية حاضرة أيضاً في التجهيز الصوتي لتانيا خوري "حدائق تحكي" (فضاء ستايشن). تستحضر الفنانة اللبنانية فترة مأسوية من الحرب السورية، حين تحوّلت حدائق المنازل إلى مقابر لجثث الناشطين والمتظاهرين في المرحلة الأولى منها. في العرض التفاعلي سيبحث الناس عن رسائل الموتى المدفونين في التلال الترابية، بينما يستمعون إلى أصوات وقصص جمعتها الفنانة بالإستناد إلى الروايات الشفوية لعائلاتهم ولأصدقائهم. هذا العرض سيكون أيضاً محور لقاء "صوت سوريا" (3/5 ــ س:16:30) ضمن اللقاءات المفتوحة التي ينظمها المهرجان. تشارك في "صوت سوريا" تانيا خوري، والباحثة اللبنانية لما قبانجي، ومؤسِّسة "الذاكرة الإبداعية للثورة السورية" سنا يازجي، للحديث عن رواية القصص والسرد التي تصبح عملاً سياسياً، لمواجهة الروايات الكبرى التي لا تتوانى الأنظمة ووسائل إعلامها عن ترسيخها. هناك أيضاً لقاء بعنوان "فنانون رغم كل الشيء" الذي يقسم إلى جلسات مفتوحة وأخرى مغلقة تجمع فاعلين ثقافيين ومديري مهرجانات ونحو 45 مؤسسة عالمية وعربية مع فنانين، لإيجاد حلول للمخاطر التي يتعرض لها الفنانون العرب في ظل الظروف المتقلبة، كما يبحث اللقاء في السبل الفنية والعملية لإيجاد فرص عمل لهم. يواصل الموعد تسليط الضوء على الأوضاع العربية والتحوّلات الساخنة التي تشهدها المنطقة من خلال تظاهرة سينمائية يحتضنها للمرة الأولى، بالتعاون مع سينما "متروبوليس أمبير صوفيل". أحد أهم الأفلام المختارة هو وثائقي طويل بعنوان "العراق سنة صفر" (334 د ــ 2015) للسينمائي العراقي عباس فاضل (23/5 ــ س: 18:30). تجري أحداث الشريط في الحياة اليومية العراقية، بين فترتين: ما قبل سقوط الرئيس صدّام حسين، وما بعد الإحتلال الأميركي. الفيلم الثاني من العراق أيضاً، وهو "تحت رمال بابل" (92 د) لمحمد الدراجي (24/5 ــ س:20:00)، الذي يعد الجزء الثاني من فيلمه "ابن بابل" (2009). الشريط الروائي الوثائقي الذي نال "جائزة أفضل فيلم عربي" في "مهرجان أبوظبي السينمائي" (2013)، يحكي قصة معاناة الجندي العراقي ابراهيم بعد هروبه من الكويت خلال حرب الخليج عام 1991. "رسالة إلى الملك" (75 د ــ 2014) للكردي هشام زمان (25/5 ــ س: 20:00) هو الفيلم التالي، الذي يعكس الشتات عبر خمسة لاجئين في رحلتهم إلى أسلو. أما الختام، فسيكون مع "شبابك الجنة" (83 د ــ 2015) للتونسي فارس نعناع عند الثامنة من مساء 26 أيار (مايو). ينطلق الشريط من التغيرات التي تشهدها علاقة زوجين شابين بعد وفاة طفلتهما الوحيدة.
"مهرجان الربيع": ابتداء من الليلة حتى 26 أيار (مايو) المقبل ــ فضاءات عدة في تونس بيروت وصور والنبطية. للاستعلام: 03/673475




غياب مصر!

باستثناء بعض العروض الضئيلة في «مسرح الجنينة»، يحتجب «مهرجان الربيع» هذه السنة عن مصر التي شهدت انطلاقة المهرجان لأول مرة عام 2004. إذاً، لن تتمكن مصر من الاحتفال بالدورة الإقليمية السابعة للحدث الفني نتيجة التغييرات السياسية التي أحدثها نظام السيسي، منها تعديل بعض القوانين لمحاربة المبدعين والأدباء والفنانين المصريين والمؤسسات الثقافية في البلاد. بعد مضايقات تلقتها عام 2015، اضطرت مؤسسة «المورد الثقافي» إلى إغلاق مكاتبها في مصر ونقلها إلى العاصمة اللبنانية. كذلك أعلنت مؤسسة «المورد» انفصالها عن «مسرح الجنينة»، الذي يواصل نشاطاته حالياً تحت إدارة «شركة الجنينة»، التي أسهم «المورد» في تأسيسها كشركة مستقلة.