«أنا مصاب بمرض. إنني أبصر اللغة» يقول رولان بارت. لا يكل الشاعر المغربي احساين بنزبير (1967) عن تطبيق مقولة بارت، فيبصر اللغة، كأنه يطمح لرسم خرائطية جديدة لها في ديوانه «كما لو في فقاعة» («بيت الشعر» المغربي). يقيم بنزبير في الجنوب الفرنسي. أما شعرياً، فيقيم في قارة لغوية لم تجد لنفسها لدى الجغرافيا العربية مكاناً بعد. ربما لأنها تنحت تصوراً شعرياً بعيداً عن السائد في القصيدة العربية.

يعسر وصف ديوانه الجديد. هل هو هذياني؟ تشكيلي؟ سوريالي؟ تنفتح التساؤلات أمام هذا النص الذي يبدو كاتبه من «الصعاليك» الخارجين على اللغة من خلال تفجيره منطق «الشعرية» في العربية. تعود الاستعارات التقليدية التي تكتب بكثرة في النصوص الحديثة إلى الخلف، لمصلحة لغة حادة ومتوترة في نص بنزبير. إنها القَدَرُ المنطقي لسوء الفهم الكبير مع العالم، حيث يصير النص تعبيراً عن هذا الشرخ المعرفي الخاص بالانتماء. كأن العيش خارج المجال الجغرافي العربي، يجد طريقه إلى النص الشعري، حيث المنفى مضاعف.
برغم هذا الخروج، إلا أنّ خلف قصيدة بنزبير حمولة معرفية ولغوية لا يخطئها حدس القارئ. لغة متينة لكن بمرجعيات مخالفة لما يكتب في النص العربي المعاصر، وبهذا تربك قارئها للوهلة الأولى، وتبدو كما لو أنها عمل إرهابي تجاه العربية. إنها لغة تقارب النص الشعري من منطق يتأبط شراً ويتنفس عوالم رفاقه في الشعر والفكر كفيليب بيك، ودريدا، وفوكو. ولهذا يتأبط بنزبير شرّه المسالم، ويكتب قصيدة تفكر في العالم. إنها الذات أمام شروخها ومآزقها، الأنا والآخر، يمتزجان، حيث لا حدود ولا أجساد. كأنه بهذا يستعيد دراساته في التشكيل والفن المعاصر. الخط، يصير وردة الوقت الذابل، واحتمالاً لسعادة غير ناجزة.
عند قراءة قصائد «كما لو في فقاعة»، قد يعتقد بعضهم أنّ لغة الشاعر المغربي مفككة، لكنه تفكيك ينطلق من وعي حاد بالعالم الذي يصير هنا فقاعة، يرتب داخلها سينوغرافيا نصية. نقرأ: «أولى بك أن تدور لتكتشف سينوغرافيا رغبات مكبوتة.
ثم بالممحاة تتدرب على حياة جديدة.

كتابة معاصرة، تقطع مع الشعر الحديث في سياقه العربي
بقايا استحالة أثر اقتنيته كل يوم. وغداً، سوف أعقم الحائط والهواء برغبة بيضاء، ثم أكلكم في جوخ أبيض كتاب كلود روايي- جورنو في حروف الجر. إنها حرب ضدي من جديد. ربما كان الإفراط ملفاً حيوياً». الكتابة لدى بنزبير كتابة معاصرة، تقطع مع الشعر الحديث في سياقه العربي، كما أنها كتابة بلا آباء محليين، بل تجد أخوتها مع متون شعرية تنتمي إلى ثقافات وأشكال تعبيرية أخرى. كتابة واعية بالمأزق الذي يعيشه الشعر العربي، المندمج في الغنائية، وفي أضداده التي ترغب في حكي اليومي. بهذا، يتموقع في النقيض تماماً. النص بلَّور حاد الأطراف. هاجسه أسئلة، تتردد، لتسائل هذا الإنسان الذي يتقاذفه صخب العالم. حرب بنزبير النصية تجد لها موطئ قدم في هذا الاغتراب المضاعف.
هجرة الجسد والفكر أيضاً. وهي الهجرة التي تحدث رجة في الأنا وقلقها الدائم. يسائلها عبر نصوص عدة ضمن هذه الفقاعة التي «تعتبر نفسها حيواناً سياسياً» كما يشير عنوان الجزء الأول من الديوان في نص «كولاج على طريقة الخوارج».
«كما لو في فقاعة» هو الديوان الثالث لبنزبير بعد «بالصدفة، نثر الفصول»(2009 ـ منشورات وزارة الثقافة المغربية). قد يحبه بعضهم، وقد يكرهه آخرون، لكن نصه يظل تجربة فريدة اختارت سبلاً مخالفة لما ينشر من الشعر في العالم العربي.