قد يتساءل بعضهم ما الذي يدفع بجمعية "مهارات" إلى إقامة ندوة في هذا الوقت عن الإصلاح الإنتخابي والإعلام. الندوة التي حملت عنوان ”دور الإعلام اللبناني في مناقشة قضايا الإصلاح" أقيمت في أحد فنادق العاصمة اللبنانية أمس، جامعةً أكاديميين وباحثين وإعلاميين. الجواب يأتي في خلاصات هذه الندوة من خلال الحديث عن "أجندات" الإعلام المحلي الذي يتحرك وفق الاستحقاقات السياسية والإنتخابية والمصالح فيما يغيب الحديث عن القوانين الإصلاحية وتقييم التجارب السابقة في العهود المختلفة اليوم.وكان يفترض أن تشهد الندوة طاولة نقاش حول 4 محاور، إلا أنّ غياب الباحث في العلوم السياسية كرم كرم ألغى المحور الرابع المتحدث عن "إصلاح الطائف بين النظام الإنتخابي وقطاع الإعلام "الفرص والعقبات".

هكذا، ظلّ في حيّز التداول 3 محاور منها "دور الإعلام في مواكبة العملية الإصلاحية منذ اتفاق الطائف". محور ناقشه المدير السابق لكلية الإعلام (الفرع الثاني) ابراهيم شاكر عبر استعراضه للعهود الثلاثة من العام 1992 حتى 2015. بدا شاكر سودوياً في مداخلته لا سيما صبغ الإعلام في هذه العهود بأنه كان "سلبياً" أو "متواطئاً" أو "شريكا" للسلطة السياسية القائمة، ولم يشأ أن "يلعب دوراً كسلطة رابعة" للضغط على هذه الطبقة بغية إحراجها. وأعطى أمثلة على ذلك قانون الإستملاك في "سوليدير"، والزواج المدني الذي لم يعرف الإعلام إن كان يؤيده أو يعارضه وفق شاكر. وأصرّ الأخير على القول بأنّ الراهن اليوم هو شبيه بحقبة ما بعد اتفاق "الطائف" في العلاقة بين السياسة والإعلام.
في هذا المحور، عقّب الزميل بيار أبي صعب على مداخلة شاكر، وتحدث عن الذهنيات التي تتحكم اليوم بالإعلام اللبناني وتتوزع بين الإقطاعية والسياسية والإقتصادية. وأيّد شاكر في كلامه عن تقصير الإعلام وسط أسئلة عن هذا الأداء وصلته بالبنية الإقطاعية الموجودة في صلب النظام اللبناني. أبي صعب أضاء على تجربة "الأخبار" خلال 9 سنوات وطموحها في فتح ملفات "مسكوت عنها" وأعطى مثالاً على فتح الصحيفة لملفي "الأملاك البحرية" ونشر كل أسماء المتورطين في سرقتها من كبار السياسيين والرأسماليين، و"بنك المدينة" الذي كان وما زال "ذا أبعاد اقتصادية وأمنية وسياسية”. وفي الحديث دوماً عن ضغط يمارسه الممول على الوسيلة الإعلامية، ذهب ابي صعب الى مكان آخر، الى الجمهور نفسه الذي" يحاسب الوسيلة الإعلامية ويمارس ضغطاً عليها إن أخطأت”.
مداخلة مديرة الأخبار في lbci لارا زلعوم تركّزت في هذا المحور على العلاقة بين الطبقة السياسية والإعلام. ولفتت الى أنّ العهود السياسية هي التي "أدخلت الفساد المالي" الى هذا القطاع وأسكتت بالتالي أفواه الصحافيين ومنعتهم من فتح ملفات الفساد. وانتقدت في الوقت عينه امتناع الإعلام عن المساندة والدعم في قضايا عدة بغية تفعيلها والضغط لإقرار قوانينها، مثل الزواج المدني.
في الحديث عن الإصلاح الإنتخابي ودور الإعلام فيه، لفت أستاذ الإعلام علي رمال الى أنّ مصطلح الإصلاح لطالما كان "شعاراً برّاقاً" استخدم "لإمتصاص الرأي العام. وسأل من يتحكم اليوم بهذا القطاع؟ ليأتي الجواب بأن القطاعين الإقتصادي والسياسي هما من يديران هذا الإعلام.
المحور الثاني ”الإعلام في الإصلاح الإنتخابي بين المشاركة والتواطؤ" ناقشه الزميل نقولا ناصيف الذي انتقد دور الإعلام المواكب للجان النيابية التي كانت وقتها تصوغ القانون الإنتخابي. ناصيف اعتبر أنّ الإعلام يعكس موقف الأطراف المشاركة في هذه اللجان، وبالتالي كان يعمل على تظهير الموقف السياسي للطرف الذي ينتمي اليه. أكثر من ذلك، اتهم ناصيف هذه الوسائل "بتعميق" الخلافات في هذه اللجان المنقسمة بين فريقي 8 و14 آذار. وفي معرض سرده للعهود التي مرّ بها لبنان من الإنتداب الفرنسي مروراً بعهد الرئيس فؤاد شهاب والإصلاحات التي أدخلها على عملية الإنتخابات وصولاً الى "تسوية الدوحة" (2008)، توقف عند مشروع قانون الوزير "فؤاد بطرس" (2005-2006) ومجمل الإصلاحات التي اقترحها للقوانين الإنتخابية لا سيما في تقسيم الدوائر الإنتخابية.
عميد كلية الإعلام جورج صدقة تحدث بدوره في المحور الثالث عن تطبيق قانون الإعلان والإعلام الإنتخابيين الذين اقرا في الإنتخابات النيابية (2009) وابرز الدروس المستقاة من هذه التجربة التي أفرزت وقتها "هيئة الإشراف على الإنتخابات النيابية" في عهد وزير الداخلية السابق زياد بارود. عملت هذه الهيئة على مراقبة مضامين وسائل الإعلام والإعلان وكانت أغلب النتائج سلبية كما يؤكد صدقة من ضمنها غياب الإعلام عن تطبيق سياسة التوازن والحياد وارتفاع منسوب الخطاب العنفي والتحريضي في هذه الفترة. ومن ضمن السلبيات أيضاً عمل هذه الوسائل على تغييب الوجوه الجديدة المرشحة لصالح شخصيات سياسية معروفة. ورغم هذا الأداء الإعلامي المخيف، الا أنّ صدقة استذكر بعضاً من إيجابيات هذه المرحلة منها انخفاض الخطاب العنفي بسبب المراقبة الحثيثة لهذه الوسائل وأيضاً إرساء تعددية "ولو شكلية" في استضافة وجوه من مشارب مختلفة في البرامج السياسية.
وبعد عرض هذه المحاور وفتح الباب أمام النقاش في نهاية الندوة، جاءت مداخلات ممثلين ونشطاء في المجتمع المدني منها "الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الإنتخابات". هنا كان حديث عن الممارسات الأمنية التي كانت تواجه الشباب المعترضين على عملية التمديد الأخيرة وخطورتها على حرية التعبير وحراك المجتمع المدني. يذكر أنّ خلاصة هذه النقاشات ستنشر في التقرير النهائي للدراسة التي ستصدر عن "مهارات" بخصوص قضية الإصلاح الإنتخابي ودور وسائل الإعلام.