الرباط ــ ياسين عدنان
لم تكن الممثلة المغربية القديرة ثريا جبران تتصور أن دخولها الى الحكومة سيكون مدوياً إلى هذا الحدّ، لكن الواقع أنّ الصحف المغربية تعاملت مع تعيينها وزيرةً للثقافةً في الحكومة الجديدة بـ«حفاوة» من نوع خاص، غير وديّة على الإطلاق! قد يكون السبب الأوّل حضور الوزيرة المكثف على الساحة الفنية، إذ عادت أخيراً الى الواجهة في فيلمين دفعةً واحدةً («أرغانة» ــــ حسن غنجة، و«عود الورد» ــــ حسن زينون) بعد غياب طويل عن الشاشة الكبيرة، وفي سلسلتها التلفزيونية الفكاهية «المعنى عليك يا المغمض عينيك» التي تبثّ حالياً على قناة «دوزيم».
لكن هناك اعتبارات أخرى جعلت الصحافة تتوقف عند تعيين مديرة فرقة «مسرح اليوم» وزيرةً للثقافة. جبران التي ظلت محسوبة على حزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية»، شاركت في الحملات الانتخابية لأشخاص من توجهات سياسية مختلفة، بينهم وزيرا الإعلام والداخلية السابقان. وهو ما استهجنه كثيرون. وإنّ عدم تمتّع ثريا جبران بشهادات عليا هو من الحجج التي استعملت ضدّها من أطراف لم تستسغ دخولها الحكومة... على رغم أن هناك من يعتبر رصيدها الفني والمسرحي أكبر من الشهادات، إذ يكفي أنه أهّلها للحصول على وسام الاستحقاق الوطني ووسام الجمهورية الفرنسية للفنون والآداب من درجة فارس.
واكتشف كثيرون مع وصول الممثلة إلى الحكومة أن ثريا جبران ليس أكثر من اسم مستعار لهذا الوجه المسرحي اللامع. أما اسمها الحقيقي فهو السعدية قريطيف، لكن هذا التفصيل تحوّل مادة خصبة في العديد من الصحف. وإذا كان الظهور الرسمي الأول لجبران في مهرجان طنجة السينمائي الأخير أكد تعاطف الفنانين المغاربة مع زميلتهم التي احتضنوها بعاصفة من التصفيق، فإن مشاركتها في «الأسبوع الثقافي المغربي» الذي شهدته موسكو قبل أيام لم تكن موفقة، وخصوصاً بعدما زلّ لسانها وهي تعطي تصريحاً تحدثت خلاله عن «تنصيبها وزيرة مع ست نساء أخريات من طرف جلالة الملك الحسن الثاني». الحسن الثاني الذي لم تكن جبران مدلّلة في عهده. والساحة الفنية المغربية ما زالت تذكّر بمرارة حادث اختطاف ثريا وحلق شعرها لمنعها من المشاركة في البرنامج الحواري الجريء «رجل الساعة» الذي كانت تقدّمه الصحافية فاطمة الوكيلي على قناة «دوزيم».
ويبدو أن الزوابع المثارة حول ثريا جبران، تجاوزت وسائل الإعلام لتهبّ على الحكومة مضرمةً نار السجال في قاعة اجتماعاتها الباردة. في ثاني اجتماع رسمي للحكومة المغربية الجديدة دخلت جبران في سجال مع خالد الناصري وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة. هذا الأخير اقترح إيقاف بثّ مسلسل «المعنى عليك يا المغمض عينيك» الذي تبثه قناة «دوزيم» على أساس أنّ الأدوار الهزلية التي تؤديها جبران، بطلة المسلسل، قد تؤثر في صورتها وزيرةً، وقد يتضرّر منها الأداء الحكومي. هذا الاقتراح رفضته جبران، معتبرةً أنّ نظرته إلى فن التمثيل شديدة السطحية، وأن سلسلتها الفكاهية عمل إبداعي ينبع من هموم المجتمع. قبل أن تضيف أن عملها يمكن أن يساعد أفراد الحكومة في النزول من أبراجهم العاجية، والاقتراب من نبض الشارع، لكن وزير الإعلام رفض تبريرات زميلته ورأى أن توضيحاتها «شعبوية أكثر من اللازم».
طبعاً هذه تهمة أخرى استقاها الناطق الرسمي للحكومة من بعض الصحف التي تصف ثريا جبران بالشعبوية. أما هي فترى نفسها ابنة الشعب، بل إنها إثر تعيينها، شكرت العاهل المغربي لأنه اختار «بنت الشعب» لهذا المنصب. ثريا جبران تختصر الجزء الأبرز من تاريخ المسرح المغربي، فهل تنجح حساسيتها الفنية ونضالها الثقافي في تعويض المؤهلات الأكاديميّة؟ لا شك في أنّ الكل ينتظر أولى مبادرات هذه الفنانة التي عملت لسنوات مع الطيب الصديقي وعبد الكريم برشيد وعبد الواحد عوزري وغيرهم من رواد المسرح المغربي. ولعلها الأقرب الى الفنانين والأقدر على الاستجابة لمطالبهم الملحّة... ولن يكون من السهل عليها كسب ودّ الأدباء، هي التي أقنعت الشاعر عبد اللطيف اللعبي، قبل سنوات، بالصعود إلى الخشبة ليؤدّيا معاً عمله الشعري المتميز «الشمس تحتضر»؟