strong>محمد خير
بدأت بثّها قبل أسبوعين من الغزو الأميركي للعراق، وتحتفي بميلادها هذا العام بعد أيام على إقرار وثيقة تنظيم البثّ الفضائي. إنها قناة «العربية» التي تُطفئ شمعتها الخامسة الشهر المقبل، مطلقةً سلسلة تغييرات «ستهزّ العالم»...

يحلو لمُعتنقي نظرية المؤامرة، أن يربطوا بين انطلاق بثّ قناة «العربية» في الثالث من آذار (مارس) 2003، والغزو الأميركي للعراق الذي بدأ بعد انطلاقة المحطة بـ17يوماً.
الآن، مع بداية احتفالات الفضائية السعودية بمرور خمس سنوات على بثّها، يبدو من الظلم أن يحسبها بعضهم ـــــ بصورة مطلقة ـــــ على جانب تحالف المارينز والبترودولار. إلا أنّ ذلك التحالف بما أنتجه من منظومة مفاهيم وقيم، وأفكار وألفاظ ومصطلحات إخبارية، لا يبدو بعيداً أيضاً عن توجه سياسة المحطة التي تموّلها رؤوس أموال ـــــ وسياسات ـــــ سعودية. ورغم محاولتها الظهور بشكل مستقلّ نسبياً، تبدو «العربية» في أحيان كثيرة أقلّ استقلالية في المضمون من منافستها اللدود «الجزيرة» التي ربما لولاها، لما فكر أحد في إطلاق «العربية».
صحيحٌ أن «الجزيرة» مملوكة بوضوح ومن دون إنكار من الحكومة القطرية، إلا أنها في اتّخاذها خطاً قومياً عروبياً وإسلامياً، تثير أكبر المفارقات مع الوجود الأميركي الكاسح في قطر الدولة. وبالتالي، يبدو خطابها متناقضاً مع سياسات راعيها الرسمي، ما يجعلها مصدر حيرة وإرباك حتى لعشّاق المؤامرة الذين لا يقعون في أيّ حيرة إزاء «العربية»...
ربما كان الفارق الأهم بين «العربية» و«الجزيرة» أنّه يمكننا الحديث عن الأخيرة بمعزل عن الأولى، بينما العكس غير صحيح. فحتّى قبل انطلاقها، كان القائمون على «العربية» يتحدّثون عن الإعلام «الرصين» و«المتوازن» و«الهادئ» و«الموضوعي» و«المهني»، في مواجهة الإعلام «المنحاز» و«المهيّج» و«غير المسؤول». هي ثنائية اعتادها المواطن العربي في صحافته المحلية، في الدول القليلة التي تمتلك حقّ إصدار صحف معارضة. لكن هذا المواطن/ المتلقّي اصطدم بتلك الثنائية من جديد لدى إطلاق «العربية». وبدا للجميع أن غزو العراق لا يمكن أن يتمّ بغير ظهير إعلامي، لا يترك الساحة خالية لقناة «الجزيرة». طبعاً صنع الأميركيون لأنفسهم أداتهم الخاصة «قناة الحرة» التي تمّ بثها ـــــ في استفزاز أهوج ـــــ على الموجة نفسها التي كان يبثّ عليها التلفزيون العراقي الرسمي. ولا داعي للحديث عن «مكانة» تلفزيون «الحرة» بين فضائيات المنطقة. أما «العربية» فهي بالتأكيد أفضل استعداداً وفهماً للمنطقة، والأهم أنها «واحدة منّنا» تماماً كما هي الأنظمة العربية «المُعتدلة». لا يمكن اعتبارها إذاً دسيسة أو عميلة، بل هي بالتأكيد من أهل الدار. لهذا، كانت أكثر تأثيراً في مجهودها التدريجي لتحويل «شهيد» إلى «قتيل»، و«استشهادي» إلى «انتحاري»، وقوات «الاحتلال» إلى قوات «التحالف»...
ربما كان اختصار «العربية» في البُعد السياسي ظُلماً لما تملكه من كفاءات إعلامية كبيرة. لكن المفارقة ـــــ والمقارنة ـــــ تضع نفسها في أعين المشاهد رغماً عنه... ففيما يرى هذا المشاهد إعلامياً في «الجزيرة» مثل أحمد منصور يقدّم نقلاً مباشراً من الفلوجة المحاصرة التي تدكّها المقاتلات الأميركية، يصعب عليه (المشاهد) مقارنة ذلك السبق الصحافي بذاك الذي التقت فيها «العربية» مع عبد الحليم خدام، فاللقاء الأخير وغيره من لقاءات مع كوندوليزا رايس أو الرئيس مبارك... يصعب أن تُعزى إلى «الكفاءة» الإعلامية للمحطة، بل لسياسات وعلاقات معروفة، تكفل لـ«العربية» لقاءات متنوعة «بالمعتدلين». ولا تُعقَد خلالها محاورات بالمعنى المفهوم للحوار الصحافي، بل ترويج لما يصرح به هؤلاء القادة من وجهات نظر أو إبراء ذمة. وذلك في مقابل ضيف رئاسي عربي وحيد يقبل بالظهور على «الجزيرة» مراراً وتكراراً، هو العقيد القذافي.
لكن لـ«العربية» تضحياتها أيضاً، هي بدورها فقدت عدداً من إعلامييها في العراق. إلا أن المحطة بدت ـــــ في تأبينها لهم ـــــ أبعد ما تكون عن تعيين وانتقاد المسؤول الرئيسي وهو الاحتلال، ما جعل تذكيرها إيّانا كل قليل بأنها صاحبة الرقم الأعلى من الضحايا الصحافيين، أشبه بعنصر ضَمِن سياسات التسويق للقناة. تسويق فرّق ـــــ ببرود تجاري ـــــ بين الجاني ودماء ضحيته. لهذا، ارتبط المشاهدون بضحايا «الجزيرة»، حتى ممن هم على قيد الحياة مثل سامي الحاج، بصورة أعمق من ارتباطهم بضحايا «العربية». ذلك أنّ «الجزيرة» ربطت بين تأبين «أبطالها» وتكريمهم والتذكير بهم، وانتقادها السياسات التي أدّت إلى سقوط هؤلاء رهن الموت والاعتقال. أما «العربية» فانتهجت لغة إعلامية «مائعة»، زعمت فيها أن صحافييها دفعوا ثمن «تغطية الحقيقة». وهي ألفاظ تشابه ما خرجت به تظاهرات أطلقتها أنظمة عربية ضدّ غزو العراق، رفعت شعارات من نوع «لا للدمار» و«أنقذوا أطفال العراق»، وغير ذلك من جمل مبهمة، تحذف الفاعل وتحتفظ بالمفعول.
هذه السياسات «الملكية» التي تستبعد أحزاب المعارضة العربية وقيادييها من شاشة الإعلام «المسؤول»، تبلورت بشكل أوضح في «وثيقة تنظيم البثّ الفضائي» التي اعتمدها وزراء الإعلام العرب قبل أيام. هي المصادفة التي جمعت بين موعد توقيع الوثيقة واحتفالات «العربية» بعيدها الخامس. لكن المصادفة بريئة من تشابه الألفاظ والأهداف بين الوثيقة وسياسات المحطة. تشابهٌ يقلل من جهود بارزة بذلها إعلاميو «العربية»، وخصوصاً في مجال البرامج الوثائقية والإعلام الرياضي. كما لا ينكر إلا المتحيز مدى نجاح موقع القناة على الإنترنت، رغم وقوعه كثيراً في مساحة «إثارة الغرائز». وهو المفهوم ذاته الذي تعهد مسؤولو «العربية» محاربته من خلال القناة. إلا أنهم لا يقصدون كثيراً ما يقولون... وإلا ما وصفوا الإعلامي جواد كاظم الذي قدّم نشرة «العربية» من على كرسي متحرّك بعدما فقد قدميه في العراق، بأنه يحاول «إعادة الاعتبار إلى أسطورة «سيزيف» اليونانية الذي حمل الصخرة السوداء إلى أعلى الجبل، وكلّما تدحرجت إلى القاع، يلحق بها ليصعد معها من جديد»، وذلك، حسب وصف موقع «العربية. نت» يوم الأربعاء الماضي... ترى أيفصح هذا الوصف، عن إيمان دفين، بما تقدمه المحطة الكبيرة؟

خبرٌ بحجم الحدث!

من مدينة الإعلام في دبي، تبث قناة «العربية» كواحدة من بين ستّ محطات تابعة لمجموعة «أم بي سي» الإعلامية، المملوكة للشيخ وليد الإبراهيمي. وهي تعدّ أقدم مجموعة إعلامية عربية إذ بثت أولى محطاتها (mbc) منذ عام 1991، أمّا «العربية» فقد بدأ بثّها منذ خمس سنوات، قبل أيام قليلة من غزو العراق على يد التحالف الأميركي البريطاني وصمت عربي معتاد. وعلى رغم طبيعتها الإخبارية، فإن «العربية» تتميز في تقاريرها بالاهتمام بأبعاد اجتماعية أكثر منها سياسية، وبجوانب ترفيهية فنية ورياضية، كما أنها استخدمت في رمضان الماضي «للتخديم» على البرامج والمسلسلات التي أنتجتها زميلتها «أم بي سي»، من خلال إعداد التقارير واللقاءات والاستفتاءات عن تلك البرامج. إلا أن الطابع الأبرز لبرامج القناة وشريط أخبارها، هو الطابع الاقتصادي من دون شك. وذلك عبر برامج وتغطيات للأسواق العربية والعالمية وأسهم البورصة هنا وهناك.
ووعدت «العربية» جمهورها بتجديدات كبيرة على مستوى الشكل، وباستخدام استديوهات جديدة، وغرف أخبار «مجهّزة بأحدث التقنيات»، كما جاء في موقع القناة الإلكتروني.
وتحتفل المحطة بعيدها الخامس بإقامة حفلة كبيرة في مدينة «دبي»، تحضرها «مجموعة كبيرة من روّاد الأعمال وصانعي القرار في المنطقة، ومجموعة مختارة من وسائل الإعلام وشركاء الأعمال الرئيسيين». وفي المناسبة، تطلق «العربية» شعارات جديدة للمحطة، وعبارات أقلّ تواضعاً من نوعية «خبر بحجم الحدث» و«العربية هزّت العالم»!