«أنا سمراء، أنا لحن جميل في آذان الناس، أنا بسمة حلوة على شفاه المعجبين الذين أحبوني من خلال لوني وصوتي... وأنا انسانة، انسانة طبيعية كثيراً». هكذا اختصرت سميرة توفيق (1935) ذاتها الفنية والشخصية أمام محاورها الممثل سليم صبري في لقاء أجراه معها عبر شاشة التلفزيون السوري (1975). وقتذاك ولبرنامج «دائرة الضوء» أيضاً، أعربت سمراء البادية عن امتعاضها الشديد من وقوعها في شرك الإشاعات المغرضة كما جحود بعض المقربين. أضف إلى حرمانها من ممارسة حياتها الخاصة، كانت تحلم بالخروج بحرية لتجلس في مكان عام من دون أن تلتفت إليها عين.
وضعت سميرة توفيق حجر الأساس لمدرستها الفنية الخاصة عبر أثير الإذاعة الأردنية. لقد دعيت إلى افتتاح إذاعة عمان الثانية في أواخر الخمسينيات. هناك، وقع عليها الاختيار لإعادة إحياء التراث الأردني. تعلمت أصول اللهجة البدوية وأطلقت «ديرتنا» أولى أغنياتها باللون البدوي.
ومذاك الحين وجدت عباءة البادية صوتها الأصيل وكتف سمراء محصن بأنوثة صارخة. هي صاحبة الخال المغناج على الخد، وغمزة شهيرة ملوحة بالكحل العربي وبسمة لا تنطفئ فتنت الرجال وأشعلت غيرة نساء ذاك الزمن، الى أن صار حضورها الفني مرتبطاً بصورتها كأيقونة للموضة، حتى أن بعض عباءاتها الشرقية المطرزة بيعت بأسعار خيالية في عواصم الموضة العالمية كباريس ولندن.

رغم خصوصية لونها الغنائي، تنافس كبار الملحنين على تقديم الأفضل لها، فتعاظم رصيدها الفني ليضم أسماء كبيرة أمثال وديع الصافي وعفيف رضوان، عبد الجليل وهبي ومحمد حسن، ورفيق حبيقة وإلياس الرحباني، وملحم بركات وفريد الأطرش، وبالطبع فيلمون وهبي الصديق الذي أمنته على سرّها. وحده إيلي شويري أخرجها عن سكّة الترفع عن المشكلات في الوسط الفني. لقد منح «غريمتها» صباح حقوق تأدية أغنتيها «ايام اللولو» (1986)، وسرعان ما قدمتها «الشحرورة» مصورة للتلفزيون. كانت هذه سابقة من نوعها في تاريخ الفن، ما أثار موجة انتقادات في أوساط الصحافة الفنية وتساؤلات لدى الجمهور. لقد فرض شويري منافسة من نوع جديد بين نجمات ذاك الجيل. إثر هذا الموقف، انقطعت العلاقة بين الصبوحة وسميرة رغم استدراك الأخيرة للموقف وإعلانها أنّ الأغنية ستنجح بصوتها وبصوت صباح لأنّ لكل منهما لونها الخاص. انتظرت صباح طويلاً قبل أن تتطرق إلى الموضوع. لدى سؤالها عن مصير القطيعة بينها وبين صاحبة «كل الحلوين حرامية» ضمن برنامج «أكيد مايسترو» على «الجديد» عام 2005، علّقت: «سميرة توفيق صوت جميل ولها لون لا يشبه أحداً. كل الذين حاولوا تقليدها، فشلوا. وينك ليه ما عم نشوفك بهالأيام».
في منتصف الستينيات، تعرضت سميرة لأولى نكساتها الصحية أثناء تصويرها فيلم «بدوية في باريس» مع رشدي أباظة والمخرج محمد سلمان. لقد أصرت على تنفيذ مشهد القفزة عن صخرة شاهقة، فأصيبت بكسر في ظهرها وارتجاج في المعدة أجبرها على التوقف عن العمل لفترة.
لكن رغم اعترافها لاحقاً بأنّها ندمت على مرورها كممثلة في السينما، الا أنّها قدمت للشاشة الكبيرة 14 فيلماً جسّدت فيها كلها دور البدوية الفاتنة بحسنها وصوتها الذي تلوح بحّة مثيرة بين قوته الصاخبة ودفئه الحنون.

بحّة مثيرة في صوتها
الذي يترنّح بين قوة صاخبة
ودفء حنون

هكذا سجلّت في «البدوية العاشقة» (1963) أول ظهور لها على الشاشة الكبيرة، بينما أنهت تجربتها التمثيلية بـ «أيام في لندن» (1974). هذا بالإضافة إلى مسلسلها الوحيد للتلفزيون «فارس ونجود» الذي شاركها بطولته الراحل محمود سعيد، لتغرق مجدداً في دوامة إشاعة ارتباطها بعلاقة غرامية بالنجم الفلسطيني الوسيم، ما أجبرها على وضع حد للأقاويل، فسجلّت إعلان أول ارتباط رسمي لها بخطوبتها لعز الدين الصبح مدير عام «تلفزيون لبنان» آنذاك. انتهت العلاقة بصمت، الصفة التي لطالما أرادتها لحياتها الشخصية. حياة سرّية غامضة تخصها وحدها بينما تخبط مراقبوها في تقفي أي أثر للحقيقة، فتكاثرت حولها الإشاعات. وفي منتصف التسعينيات، عادت حياتها الخاصة إلى الضوء بعيد ارتباطها رسمياً بالمغترب اللبناني في السويد غابي سعدو الذي كان يصغرها بـ20 سنة. قدم لها وروداً ونظرة حب وكان زواجها الوحيد المعلن الذي انتهى سريعاً من دون أن يثمر أي أبناء. هكذا كرّست صاحبة «رفّ الحمام مغرّب» حياتها لتربية أبناء شقيقها مانويل الذي توفي باكراً وتبعته زوجته التي راحت ضحية قصف مدفعي استهدف منطقة الحازمية إبان الحرب الأهلية اللبنانية (1987). كانت مرحلة أواخر الثمانينيات بداية العد العكسي لمسيرة صاحبة «بين العصر والمغرب» الفنية. لقد محت بشاعة الحرب ابتسامتها وبدأت تعاني تدهوراً صحياً عضوياً ونفسياً، وأُرغمت على تناول جرعات مكثفة من الكورتيزن، ما أكسبها الوزن. هكذا بدأت بالانسحاب تدريجياً من الساحة الفنية مع آخر أعمالها الذي كان ألبوم «قمر الساحات» (1994) الذي أرفقته بالكليب الوحيد في رصيدها مع المخرج أسامة حريق. أما آخر إطلالاتها عبر الإعلام المرئي فكانت في برنامج للمخرج سيمون أسمر على شاشة «المؤسسة اللبنانية للإرسال».

ربت أبناء شقيقها
الذي قضى في القصف إبان الحرب الأهلية اللبنانية

غابت عن السمع والعين ما يقارب 15 عاماً، إلا أنّ نشر أول صورة لها بعد غياب طويل في 2013 من مطار الدوحة في قطر أثلج قلوب محبيها، هي التي لم تعلن اعتزالها كما لم تكشف سبباً لانسحابها من دائرة الضوء. جالت صاحبة «لا باكل ولا بشرب» الدنيا بفنها وحازت عدداً لا يحصى من الأوسمة وشهادات التقدير ومفاتيح أكبر مدن العالم. إنّها الطفلة الصغيرة التي نزحت مع عائلتها من مسقط رأسها حوران في سوريا لتترعرع في الجميزة في بيروت في دارة آل كريمونة، الى أن مر بهم يوماً الملحّن اللبناني توفيق البيلوني فسمع صوتها. تبناها فنياً، فاحتفظت بكنيته عرفاناً بجميله وبحسب كلمتها المعهودة: «أنا سميرة والتوفيق من الله». لقد ترجلت الطفلة الصغيرة عن الشجرة، مسرحها الأول لتنطلق المطربة المختلفة بين النجوم في سنّ الثالثة عشرة.
باشرت إحياء الحفلات الغنائية العامة. وبرفقة عائلتها الكبيرة كانت تتنقل من مدينة الى أخرى، فأطلقوا عليها لقب «صاحبة الأسطول السادس» نسبة لاخوتها الستة. وكانت أولى انطلاقاتها رسمياً عبر الإذاعات اللبنانية والسورية والأردنية حيث قدمت الغناء المباشر أمام الميكروفون.
أخيرا، في 2 آذار (مارس) 2015، أشعلت الفنانة ديانا حداد مواقع التواصل الاجتماعي وشغلت وسائل الإعلام بصور نشرتها عبر صفحتها على «إنستغرام» جمعتها بالكبيرة سميرة توفيق التي ينتظر محبّوها عرض الحلقة التلفزيونية الخاصة بها في برنامج «بعدنا مع رابعة» غداً على تلفزيون «الجديد». الى سميرتنا في ليالي الشوق لزمن الفن الأصيل، ألف ألف تحية يا «أسمر يا خفيف الروح».

* «بعدنا مع رابعة»:
غداً بعد نشرة الأخبار المسائية على قناة «الجديد»