كما حال الشهداء بعد رحيلهم حين يكشف اللثام عن هوياتهم، كانت حال الإعلامية رباب الحسن أو زينب العوّاض (1967) اسمها الحقيقي الذي اكتشفناه بعد وفاتها أول من أمس بعد صراع مع السرطان. تلازم جميل لامرأة لازمت الإعلام المقاوم حتى الرمق الأخير. حملت رباب سلاح صوتها الهادئ والشجيّ في إذاعة «النور» في بداية التسعينيات، وكانت صوت المقاومة والمقاومين والشهداء والجرحى، وقصصهم ونبض ذويهم.
قد لا نستغرب هذا الفيض من الحب والاستذكار لمسيرتها على مواقع التواصل الاجتماعي لجيل ترعرع على صوتها المترافق بدوره مع العمليات العسكرية للمقاومة والمواكب لأخبار المجاهدين في الثغور. لأكثر من 15 عاماً تنقلت خلالها الحسن بين إذاعة «النور» و»المنار»، ظلت ملازمة لخط واحد: المقاومة وأهلها. ورغم آلام المرض والتعب، ظلت تواصل عملها وتسجّل مقاطع صوتية تخص الشهداء. وعلى شاشة المقاومة، كان يُفترض أن يبصر النور عملها الأخير الذي يوثّق للشهيد أبو حسن سلامة، لكن الموت خطفها.
زميلتها ورفيقتها في الميدان والحياة، الإعلامية أروى الجمّال ترثيها في اتصال مع «الأخبار» بكثير من الحرقة والألم. لكنّ عزاءها يبقى في أنّ رباب رحلت الى «حيث من تحب، الى جوار الشهداء». الجمّال التي تعمل أيضاً في توثيق حكايا المقاومة، تتحدث عن فترة انتقال الحسن الى قناة «المنار» عام 2000 (عام التحرير)، وكيف حملت سلاحها «القلم والكاميرا» وواصلت توثيق قصص المجاهدين ونقلها الى الناس. تلفت الجمّال هنا الى أن هذا العمل كان ولا يزال يهدف إلى نقل الجانب الآخر لحياة الشهداء، وتظهير أنّهم يشبهون باقي البشر في حياتهم، مع فارق «أنهم حملوا راية تحرير الأرض».

15 عاماً أمضتها في تسجيل مقاطع صوتية تخصّ الشهداء على إذاعة «النور» وقناة «المنار»
وتستذكر أبرز الحلقات التي أعدّتها الحسن وكانت وقتها مهداة الى الشهيد هادي نصر الله نجل الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله ورفاقه الذين قضوا معه في معركة «الجبل الرفيع» (1997) وامتزجت دماؤهم وقتها بدماء الجيش اللبناني، فكانت حلقة تحكي المقاومة والجيش والشعب... هذه المعادلة الذهبية التي رست مع مرور الوقت. في العمل الإذاعي الذي لم تتركه أبداً رغم انتقالها الى الميدان المرئي، يصفها المدير العام لإذاعة «النور» يوسف الزين بـ»الوجه الآخر للمقاومة». تحدث الزين لـ»الأخبار» عن رباب التي لازمها لدى توليه منصب الإدارة عام 1998. لا يفصل الزين بذل الدماء عن مسيرة الإعلامية الراحلة، فيكنّيها بـ»الشهيدة» في عملها أكان عبر تسجيل الخواطر الشعرية بصوتها، أم في إعداد البرامج ومواكبة البث الحيّ المباشر والعمليات العسكرية. يكشف كيف أن «صوتها كان يؤنس المجاهدين في الثغور ويشاركهم إنجازاتهم بإخلاص وتفان يصل الى حدود التماهي». يوسف نور الدين المدير السابق للإذاعة الذي واكبها في مرحلة البدايات، وتحديداً عام 1990، يصف الحسن بأنّها كانت «صورة نموذجية للمرأة المعطاء. صورة جميلة كجمال صوتها ودفء قلبها». ولا يستغرب هذا الحب الذي يكنه الجمهور لها، فهي التي ظلت تتواصل بالصوت معه وتنقل له أخبار المجاهدين. يكشف عن تعلّق المقاومين بصوتها أيضاً وهم على ثغور الجهاد، و»كيف كانوا يستأنسون بصوتها، وكيف كانت في المقابل تحزن بفخر وهي تزفّ أسماء الشهداء بعيداً عن الميكروفون».
وبعد رحيلها، خرجت الى الضوء قصيدة «قافلة النور» (كلمات ندى بنجك) التي اشتهرت بها الحسن وهي تخاطب المجاهدين. قصيدة أضحت اليوم تخاطبها وتقول بلسان حالها الى محبيها: ”رصّعوا بالياقوت الشوارع الحزينة/ أضيئوا القرى والمساجد (..) ولا تبكوا بعد هذا العمر إن الشمس لنا وحدنا نزرعها حيث شئنا».